فإذا لا يجوز أن يؤخذ منهم في هذا الزمانما يعلم أنه حلال، لإفضائه إلى هذهالمعاني.
فكيف ما يعلم أنه حرام أو يشك فيه؟ فمناستجرأ على أموالهم، و شبه نفسه بالصحابةو التابعين، فقد قاس الملائكة بالحدادين.ففي أخذ الأموال منهم حاجة إلى مخالطتهم ومراعاتهم، و خدمة عمالهم، و احتمال الذلمنهم، و الثناء عليهم، و التردد إلىأبوابهم و كل ذلك معصية على ما سنبين فيالباب الذي يلي هذا. فإذا قد تبين مما تقدممداخل أموالهم، و ما يحل منها و ما لا يحل.فلو تصور أن يأخذ الإنسان منها ما يحل بقدراستحقاقه و هو جالس في بيته يساق إليه، لايحتاج فيه إلى تفقد عامل و خدمته، و لا إلىالثناء عليهم و تزكيتهم، و لا إلىمساعدتهم. فلا يحرم الأخذ و لكن يكره لمعانسننبه عليها في الباب الذي يلي هذا
و لنفرض المال من أموال المصالح، كأربعةأخماس الفيء، و المواريث، فإن ما عداهمما قد تعين مستحقه إن كان من وقف أو صدقة،أو خمس فيء أو خمس غنيمة، و ما كان من ملكالسلطان مما أحياه أو اشتراه، فله أن يعطىما شاء لمن شاء. و إنما النظر في الأموالالضائعة و مال المصالح. فلا يجوز صرفه إلاإلى من فيه مصلحة عامة، أو هو محتاج إليهعاجز عن الكسب. فأما الغنى الذي لا مصلحةفيه، فلا يجوز صرف مال بيت المال إليه. هذاهو الصحيح: و إن كان العلماء قد اختلفوافيه. و في كلام عمر رضى الله عنه ما يدل علىأن لكل مسلم حقا في بيت المال، لكونه مسلمامكثرا جمع الإسلام. و لكنه مع هذا ما كانيقسم المال على المسلمين كافة، بل علىمخصوصين بصفات فإذا ثبت هذا، فكل من يتولىأمرا يقوم به، تتعدى مصلحته إلى المسلمين،و لو اشتغل بالكسب لتعطل عليه ما هو فيه،فله في بيت المال حق الكفاية. و يدخل فيهالعلماء كلهم، أعنى العلوم التي تتعلقبمصالح الدين، من علم الفقه و الحديث، والتفسير و القراءة، حتى يدخل فيه المعلمونو المؤذنون و طلبة هذه العلوم أيضا يدخلونفيه، فإنهم إن لم يكفوا لم يتمكنوا منالطلب. و يدخل فيه العمال، و هم الذينترتبط مصالح الدنيا بأعمالهم، و همالأجناد المرتزقة، الذين يحرسون المملكةبالسيوف عن أهل العداوة و أهل البغي وأعداء الإسلام. و يدخل فيه الكتاب