إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 5 -صفحه : 201/ 177
نمايش فراداده

أعجز الناس من قصر في طلب الإخوان، و أعجزمنه من ضيع من ظفر به منهم. و كثرة المماراةتوجب التضييع و القطيعة، و تورث العداوة. وقد قال الحسن: لا تشتر عداوة رجل بمودة ألفرجل.

و على الجملة، فلا باعث على المماراة إلاإظهار التمييز بمزيد العقل و الفضل، واحتقار المردود عليه بإظهار جهله، و هذايشتمل على التكبر و الاحتقار، و الإيذاء والشتم بالحمق و الجهل، و لا معنى للمعاداةإلا هذا. فكيف تضامه الأخوة و المصافاة.فقد روى ابن عباس عن رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم أنه قال‏[1] «لا تمار أخاك و لاتمازحه و لا تعده موعدا فتخلفه» و قد قالعليه السلام‏[2] «إنّكم لا تسعون النّاسبأموالكم و لكنّ ليسعهم منكم بسط وجه و حسنخلق» و المماراة مضادة لحسن الخلق. و قدانتهى السلف في الحذر عن المماراة، و الحضعلى المساعدة، إلى حد لم يروا السؤال أصلا.و قالوا إذا قلت لأخيك قم، فقال إلى أين؟فلا تصحبه. بل قالوا ينبغي أن يقوم و لايسأل. و قال أبو سليمان الداراني: كان لي أخبالعراق، فكنت أجيئه في النوائب، فأقولأعطني من مالك شيئا.

فكان يلقى إلي كيسه فآخذ منه ما أريد.فجئته ذات يوم، فقلت أحتاج إلى شي‏ء، فقالكم تريد؟ فخرجت حلاوة إخائه من قلبي. و قالآخر: إذا طلبت من أخيك مالا، فقال ما ذاتصنع به؟ فقد ترك حق الأخاء. و اعلم أن قوامالأخوة بالموافقة في الكلام و الفعل والشفقة. قال أبو عثمان الحيرى: موافقةالإخوان خير من الشفقة عليهم. و هو كماقال‏

الحق الرابع على اللسان بالنطق‏

فإن الأخوة كما تقتضي السكوت من المكاره،تقتضي أيضا النطق بالمحاب. بل هو أخصبالأخوة. لأن من قنع بالسكوت صحب أهلالقبور. و إنما تراد

[1] حديث ابن عباس لا تمار أخاك و لا تمازحهو لا تعده موعدا فتخلفه: الترمذي و قالغريب لا نعرفه الا من هذا الوجه يعنى منحديث ليث بن أبي سليم و ضعفه الجمهور

[2] حديث انكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه و حسن الخلق:أبو يعلى الموصلي و الطبراني في مكارمالأخلاق و ابن عدى في الكامل و ضعفه والحاكم و صححه و البيهقي في الشعب من حديثأبي هريرة