إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 8 -صفحه : 213/ 34
نمايش فراداده

و في أثناء هذه المجاهدة قد يفسد المزاج،و يختلط العقل، و يمرض البدن، و إذا لمتتقدم رياضة النفس و تهذيبها بحقائقالعلوم، نشبت بالقلب خيالات فاسدة، تطمئنالنفس إليها مدة طويلة، إلى أن يزول وينقضي العمر قبل النجاح فيها فكم من صوفىسلك هذا الطريق، ثم بقي في خيال واحد عشرينسنة، و لو كان قد أتقن العلم من قبل، لانفتح له وجه التباس ذلك الخيال في الحال.فالاشتغال بطريق التعلم أوثق و أقرب إلىالغرض و زعموا أن ذلك يضاهي ما لو تركالإنسان تعلم الفقه، و زعم أن النبي صلّىالله عليه وسلّم لم يتعلم ذلك، و صار فقيهابالوحي و الإلهام، من غير تكرير و تعليق،فأنا أيضا ربما انتهت بي الرياضة والمواظبة إليه. و من ظن ذلك فقد ظلم نفسه، وضيع عمره، بل هو كمن يترك طريق الكسب والحراثة، رجاء العثور على كنز من الكنوز،فإن ذلك ممكن، و لكنه بعيد جدا. فكذلك هذا.و قالوا لا بد أولا من تحصيل ما حصلهالعلماء، و فهم ما قالوه، ثم لا بأس بعدذلك بالانتظار لما لم ينكشف لسائرالعلماء، فعساه ينكشف بعد ذلك بالمجاهدة

بيان الفرق بين المقامين بمثال محسوس‏

اعلم أن عجائب القلب خارجة عن مدركاتالحواس، لأن القلب أيضا خارج عن إدراكالحس. و ما ليس مدركا بالحواس تضعف الأفهامعن دركه إلا بمثال محسوس. و نحن نقرب‏

ذلك إلى الأفهام الضعيفة بمثالين:

أحدهما: أنه لو فرضنا حوضا محفورا فيالأرض‏.

أحتمل أن يساق إليه الماء من فوقه بأنهارتفتح فيه، و يحتمل أن يحفر أسفل الحوض، ويرفع منه التراب، إلى أن يقرب من مستقرالماء الصافي، فينفجر الماء من أسفلالحوض، و يكون ذلك الماء أصفى و أدوم، و قديكون أغزر و أكثر. فذلك القلب مثل الحوض، والعلم مثل الماء، و تكون الحواس الخمس‏