إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 14 -صفحه : 210/ 180
نمايش فراداده

(من بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناًخالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ) فإنماخلوص اللبن أن لا يكون فيه شوب من الدم والفرث، و من كل ما يمكن أن يمتزج به. والإخلاص بضاده الإشراك، فمن ليس مخلصا فهومشرك، إلا أن الشرك درجات، فالإخلاص فيالتوحيد يضاده التشريك. في الإلهية، والشرك منه خفي، و منه جلي، و كذا الإخلاص،و الإخلاص و ضده يتواردان على القلب،فمحله القلب و إنما يكون ذلك في القصود والنيات، و قد ذكرنا حقيقة النية، و أنهاترجع إلى إجابة البواعث، فمهما كان الباعثواحدا على التجرد سمي الفعل الصادر عنهإخلاصا، بالإضافة إلى المنوي، فمن تصدق وغرضه محض الرياء فهو مخلص، و من كان غرضهمحض التقرب إلى الله تعالى فهو مخلص، و لكنالعادة جارية بتخصيص اسم الإخلاص بتجريدقصد التقرب إلى الله تعالى عن جميعالشوائب، كما أن الإلحاد عبارة عن الميل،و لكن خصصته العادة بالميل عن الحق، و منكان باعثه مجرد الرياء فهو معرض للملاك، ولسنا نتكلم فيه، إذ قد ذكرنا ما يتعلق بهفي كتاب الرياء من ربع المهلكات، و أقلأموره ما ورد في الخبر، من‏[1] أن المرائييدعى يوم القيامة بأربع أسام، يا مرائي،يا مخادع، يا مشرك، يا كافر، و إنما نتكلمالآن فيمن انبعث لقصد التقرب، و لكن امتزجبهذا الباعث باعث آخر، إما من الرياء أو منغيره من حظوظ النفس، و مثال ذلك أن يصوملينتفع بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصدالتقرب، أو يعتق عبدا ليتخلص من مئونته وسوء خلقه، أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر،أو يتخلص من شر يعرض له في بلده، أو ليهربعن عدو له في منزله، أو يتبرم بأهله وولده، أو بشغل هو فيه. فأراد أن يستريح منهأياما، أو ليغزو ليمارس الحرب و يتعلمأسبابه و يقدر به على تهيئة العساكر وجرها، أو يصلى بالليل و له غرض في دفعالنعاس عن نفسه به ليراقب أهله، أو رحله،أو يتعلم العلم ليسهل عليه طلب ما يكفيه منالمال، أو ليكون عزيزا بين العشيرة، أوليكون عقاره أو ماله محروسا بعز العلم عنالأطماع أو اشتغل بالدرس و الوعظ ليتخلصعن كرب الصمت و يتفرج بلذة الحديث، أو تكفلبخدمة العلماء أو الصوفية لتكون حرمتهوافرة عندهم و عند الناس، أو لينال به رفقافي الدنيا

[1] حديث ان المرائي يدعى يوم القيامة يامرائي يا مخادع- الحديث: ابن أبي الدنيا فيكتاب السنة و الإخلاص و قد تقدم‏