الجمع بين السواد و البياض فهو المنفردبالجود و الإحسان، و الطول و الامتنان،فإن كان في الطبع حب المحسن فينبغي أن لايحب العارف إلا الله تعالى، إذا الإحسانمن غيره محال، فهو المستحق لهذه المحبةوحده و أما غيره فيستحق المحبة علىالإحسان بشرط الجهل بمعنى الإحسان وحقيقته
و إن لم يصل إليك إحسانه و هذا أيضا موجودفي الطباع، فإنه إذا بلغك خبر ملك عابدعادل عالم رفيق بالناس متلطف بهم متواضعلهم و هو في قطر من أقطار الأرض بعيد عنك، وبلغك خبر ملك آخر ظالم متكبر فاسق متهتكشرير و هو أيضا بعيد عنك، فإنك تجد في قلبكتفرقة بينهما، إذ تجد في القلب ميلا إلىالأول، و هو الحب و نفرة عن الثاني، و هوالبغض، مع أنك آيس من خير الأول، و آمن منشر الثاني، لانقطاع طمعك عن التوغل إلىبلادهما فهذا حب المحسن من حيث إنه محسنفقط لا من حيث إنه محسن إليك و هذا أيضايقتضي حب الله تعالى بل يقتضي أن لا يحبغيره أصلا إلا من حيث يتعلق منه بسبب، فإنالله هو المحسن إلى الكافة و المتفضل علىجميع أصناف الخلائق أولا بإيجادهم، وثانيا بتكميلهم بالأعضاء و الأسباب التيهي من ضروراتهم، و ثالثا بترفيههم وتنعيمهم بخلق الأسباب التي هي في مظانحاجاتهم و إن لم تكن في مظان الضرورة، ورابعا بتجميلهم بالمزايا و الزوائد التيهي في مظنة زينتهم و هي خارجة عن ضروراتهمو حاجاتهم. و مثال الضروري من الأعضاءالرأس، و القلب، و الكبد و مثال المحتاجإليه العين، و اليد، و الرجل، و مثالالزينة استقواس الحاجبين، و حمرةالشفتين، و تلوز العينين، إلى غير ذلك ممالو فات لم تنخرم به حاجة و لا ضرورة، و مثالالضروري من النعم الخارجة عن بدن الإنسانالماء و الغذاء، و مثال الحاجة الدواء، واللحم، و الفواكه، و مثال المزايا والزوائد خضرة الأشجار، و حسن أشكالالأنوار و الأزهار، و لذائذ الفواكه والأطعمة التي لا تنخرم بعدمها حاجة و لاضرورة و هذه الأقسام الثلاثة موجودة لكلحيوان، بل لكل نبات، بل لكل صنف من أصنافالخلق من ذرورة العرش إلى منتهى الفرش.
فإذا هو المحسن، فكيف يكون غيره محسنا وذلك المحسن حسنة من حسنات قدرته! فإنه خالقالحسن، و خالق المحسن، و خالق الإحسان، وخالق أسباب الإحسان. فالحب بهذه العلةلغيره أيضا جهل محض، و من عرف ذلك لم يحببهذه العلة إلا الله تعالى