و هذا السبب أيضا يقتضي حب الله تعالىلمناسبة باطنة لا ترجع إلى المشابهة فيالصور و الأشكال. بل إلى معان باطنة يجوزأن يذكر بعضها في الكتب، و بعضها لا يجوزأن يسطر. بل يترك تحت غطاء الغبرة حتى يعثرعليه السالكون للطريق إذا استكملوا شرطالسلوك. فالذي يذكر هو قرب العبد من ربه عزو جل في الصفات التي أمر فيها الاقتداء والتخلق بأخلاق الربوبية، حتى قيل تخلفوابأخلاق الله، و ذلك في اكتساب محامدالصفات التي هي من صفات الإلهية، منالعلم، و البر، و الإحسان، و اللطف، وإفاضة الخير، و الرحمة على الخلق، والنصيحة لهم، و إرشادهم إلى الحق، و منعهممن الباطل، إلى غير ذلك من مكارم الشريعةفكل ذلك يقرب إلى الله سبحانه و تعالى، لابمعنى طلب القرب بالمكان، بل الصفات و أماما لا يجوز أن يسطر في الكتب من المناسبةالخاصة التي اختص بها الآدمي، فهي التييومئ إليها قوله تعال (وَ يَسْئَلُونَكَعَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ من أَمْرِرَبِّي) إذ بيّن أنه أمر رباني خارج عن حدعقول الخلق. و أوضح من ذلك قوله تعالى(فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ منرُوحِي) و لذلك أسجد له ملائكته: و يشيرإليه قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْناكَخَلِيفَةً في الْأَرْضِ) إذ لم يستحق آدمخلافة الله تعالى إلا بتلك المناسبة.
و إليه يرمز قوله صلّى الله عليه وسلّم[1]«إن الله خلق آدم على صورته» حتى ظنالقاصرون أن لا صورة إلا الصورة الظاهرةالمدركة بالحواس، فشبهوا و جسموا و صورواتعالى الله رب العالمين عما يقول الجاهلونعلوا كبيرا. و إليه الإشارة[2] بقوله تعالىلموسى عليه السلام: مرضت فلم تعدني فقال يارب و كيف ذلك قال مرض عبدي فلان فلم تعده ولو عدته وجدتني عنده: و هذه المناسبة لاتظهر إلا بالمواظبة على النوافل بعد إحكامالفرائض كما قال الله تعالى[3] (لا يَزَاليَتَقَرَّبُ الْعَبْدُ إِلَىَّبِالنَّوافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَاأَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِييَسْمَعُ به وَ بَصَرَهُ الَّذِييَبْصِرُ به وَ لِسَانَهُ الَّذِييَنْطِقُ به) و هذا موضع يحب قبض عنانالقلم فيه، فقد تحزب الناس فيه إلى قاصرينمالوا إلى
[1] حديث ان الله خلق آدم على صورته: تقدم [2] حديث قوله تعالى مرضت فلم تعدني فقال وكيف ذاك قال مرض فلان- الحديث: تقدم [3] حديث قوله تعالى لا يزال يتقرب العبدإلى بالنوافل حتى أحبه- الحديث البخاري منحديث أبي هريرة و قد تقدم