تاریخ ابن خلدون

عبدالرحمان بن محمد ابن خلدون

جلد 1 -صفحه : 839/ 182
نمايش فراداده

كانت حينئذ عصبيّة الآخرين موفورة و سورةغلبهم من الكاسر محفوظة و شارتهم في الغلبمعلومة فتسمو آمالهم إلى الملك الّذيكانوا ممنوعين منه بالقوّة الغالبة من جنسعصبيّتهم و ترتفع المنازعة لما عرف منغلبهم فيستولون على الأمر و يصير إليهم وكذا يتّفق فيهم مع من بقي أيضا منتبذا عنهمن عشائر أمّتهم فلا يزال الملك ملجئا فيالأمّة إلى أن تنكسر سورة العصبيّة منهاأو يفنى سائر عشائرها سنّة الله في الحياةالدّنيا «وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَلِلْمُتَّقِينَ 43: 35» (1) و اعتبر هذا بماوقع في العرب لمّا انقرض ملك عاد قام به منبعدهم إخوانهم من ثمود و من بعدهم إخوانهمالعمالقة و من بعدهم إخوانهم من حمير أيضاو من بعدهم إخوانهم التّبابعة من حميرأيضا و من بعدهم الأذواء كذلك ثمّ جاءتالدّولة لمضر و كذا الفرس لمّا انقرض أمرالكينيّة ملك من بعدهم السّاسانيّة حتّىتأذّن الله بانقراضهم أجمع بالإسلام و كذااليونانيّون انقرض أمرهم و انتقل إلىإخوانهم من الرّوم و كذا البربر بالمغربلمّا انقرض أمر مغراوة و كتامة الملوكالأوّل منهم رجع إلى صنهاجة ثمّ الملثّمينمن بعدهم ثمّ من بقي من شعوب زناتة و هكذاسنّة الله في عباده و خلقه و أصل هذا كلّهإنّما يكون بالعصبيّة و هي متفاوتة فيالأجيال و الملك يخلقه التّرف و يذهبه كماسنذكره (2) بعد فإذا انقرضت دولة فإنّمايتناول الأمر منهم من له عصبيّة مشاركةلعصبيّتهم الّتي عرف لها التّسليم والانقياد و أونس منها الغلب لجميعالعصبيّات و ذلك إنّما يوجد في النّسبالقريب منهم لأنّ تفاوت العصبيّة بحسب ماقرب من ذلك النّسب الّتي هي فيه أو بعدحتّى إذا وقع في العالم تبديل كبير منتحويل ملّة أو ذهاب عمران أو ما شاء اللهمن قدرته فحينئذ يخرج عن ذلك الجيل إلىالجيل الّذي يأذن الله بقيامه بذلكالتّبديل كما وقع لمضر حين غلبوا علىالأمم و الدّول و أخذوا الأمر من أيدي أهلالعالم بعد أن كانوا مكبوحين عنه أحقابا.

(1) سورة الزخرف آخر الآية 35.

(2) ذكر ابن خلدون هذا في الفصلين 16 و 18 ولعله غير ترتيب الفصول فكان هذا الفصلسابقا للفصلين المذكورين ثم أصبح لاحقا. ولم ينتبه ابن خلدون إلى هذه الكلمةليحذفها أو يبدلها.