مدرك كان، و يعنون به هذا القدر الّذيأوضحناه. و هذه نبذة أومأنا بها إلى مايوضح القول في المتشابه. و لو أوسعناالكلام فيه لقصرت المدارك عنه.
فلنفزع إلى الله سبحانه في الهداية والفهم عن أنبيائه و كتابه، بما يحصل بهالحقّ في توحيدنا، و الظفر بنجاتنا وَالله يَهْدِي من يَشاءُ 2: 213.
هذا العلم من العلوم الشّرعيّة الحادثةفي الملّة و أصله أنّ طريقة هؤلاء القوم لمتزل عند سلف الأمّة و كبارها من الصّحابة والتّابعين و من بعدهم طريقة الحقّ والهداية و أصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى و الإعراض عنزخرف الدّنيا و زينتها، و الزّهد فيمايقبل عليه الجمهور من لذّة و مال و جاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عامّا في الصّحابة و السّلف. فلمّافشا الإقبال على الدّنيا في القرن الثّانيو ما بعده و جنح النّاس إلى مخالطة الدّنيااختصّ المقبلون على العبادة باسمالصّوفيّة و المتصوّفة. و قال القشيريّرحمه الله:
و لا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهةالعربيّة و لا قياس. و الظّاهر أنّه لقب. ومن قال اشتقاقه من الصّفاء أو من الصّفةفبعيد من جهة القياس اللّغويّ، قال: و كذلكمن الصّوف لأنّهم لم يختصّوا بلبسه. قلت: والأظهر إن قيل بالاشتقاق أنّه من الصّوف وهم في الغالب مختصّون بلبسه لما كانواعليه من مخالفة النّاس في لبس فاخرالثّياب إلى لبس الصّوف فلمّا اختصّ هؤلاءبمذهب الزّهد و الانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة اختصّوا بمآخذ مدركةلهم و ذلك أنّ الإنسان بما هو إنسان إنّمايتميّز عن سائر الحيوان بالإدراك و إدراكهنوعان: إدراك للعلوم و المعارف من اليقين والظّنّ و الشّكّ و الوهم و إدراك للأحوالالقائمة من الفرح و الحزن و القبض