و غيرهما للشّرعيّات كالمنطق للفلسفة. وربّما كان آلة لعلم الكلام و لأصول الفقهعلى طريقة المتأخّرين فأمّا العلوم الّتيهي مقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها وتفريع المسائل و استكشاف الأدلّة والأنظار فإنّ ذلك يزيد طالبها تمكّنا فيملكته و إيضاحا لمعانيها المقصودة. و أمّاالعلوم الّتي هي آلة لغيرها مثل العربيّةو المنطق و أمثالهما فلا ينبغي أن ينظرفيها إلّا من حيث هي آلة لذلك الغير فقط. ولا يوسّع فيها الكلام و لا تفرّع المسائللأنّ ذلك مخرج لها عن المقصود إذ المقصودمنها ما هي آلة له لا غير. فكلّما خرجت عنذلك خرجت عن المقصود و صار الاشتغال بهالغوا مع ما فيه من صعوبة الحصول على ملكتهابطولها و كثرة فروعها. و ربّما يكون ذلكعائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذّاتلطول وسائلها مع أنّ شأنها أهمّ و العمريقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصّورةفيكون الاشتغال بهذه العلوم الآليّةتضييعا للعمر و شغلا بما لا يغني. و هذا كمافعل المتأخّرون في صناعة النّحو و صناعةالمنطق و أصول الفقه لأنّهم أوسعوا دائرةالكلام فيها و أكثروا من التّفاريع والاستدلالات بما أخرجها عن كونها آلة وصيّرها من المقاصد (1) و ربّما يقع فيهالذلك أنظار و مسائل لا حاجة بها في العلومالمقصودة فهي من نوع اللّغو و هي أيضامضرّة بالمتعلّمين على الإطلاق لأنّالمتعلّمين اهتمامهم بالعلوم المقصودةأكثر من اهتمامهم بوسائلها (2) فإذا قطعواالعمر في تحصيل الوسائل فمتى يظفرونبالمقاصد؟ فلهذا يجب على المعلّمين لهذهالعلوم الآليّة أن لا يستبحروا في شأنها ولا يستكثروا من مسائلها و ينبّهواالمتعلّم على الغرض منها و يقفوا به عنده.فمن نزعت به همّته بعد ذلك إلى شيء منالتّوغّل و رأى من نفسه قياما بذلك و كفايةبه فليرقّ (3) له ما شاء من المراقي صعبا أوسهلا و كلّ ميسّر لما خلق له.
(1) و في نسخة أخرى: و صيرها مقصودة بذاتها. (2) و في نسخة أخرى: بهذه الآلات و الوسائل. (3) و في نسخة أخرى: فليختر لنفسه.