و الطوائل من يسترهن (1) أبناءهم على السلمو كف العادية، و من انتجاع الأرباب و ميرةالأقوات، و العساكر من وراء ذلك توقع بمنمنع الخراج و تستأصل من يروم الفساد. و كانأمر مضر راجعا في ذلك إلى ملوك (2) كندة بنيحجر آكل المرار منذ ولّاه عليهم تبّعحسّان كما ذكرناه، و لم يكن في العرب ملكإلّا في آل المنذر بالحيرة للفرس و في آلجهينة بالشام للروم و في بني حجر هؤلاء علىمضر و الحجاز. و كانت قبائل مضر مع ذلك بل وسائر العرب أهل بغي و إلحاد، و قطعللأرحام، و تنافس في الردى، و إعراض عن ذكرالله، فكانت عبادتهم الأوثان و الحجارة، وأكلهم العقارب و الخنافس و الحيات والجعلان، و أشرف طعامهم أوبار الإبل إذاأمرّوها في الحرارة في الدم، و أعظم عزّهموفادة على آل المنذر و آل جهينة و بني جعفر(3) و نجعة من ملوكهم، و إنما كان تنافسهمالموءودة و السائبة و الوصيلة و الحامي.
فلما تأذن الله بظهورهم و اشرأبّت إلىالشرف هوادي أيامهم و تم أمر الله في إعلاءأمرهم (4) و هبت ريح دولتهم و ملّة اللهفيهم، تبدّت تباشير الصباح من أمرهم وأونس الخير و الرشد في خلالهم و أبدل اللهبالطيّب الخبيث من أحوالهم و شرهم، واستبدلوا بالذلّ عزّا و بالمآثم متابا وبالشرّ خيرا، ثم بالضلالة هدى و بالمسغبةشبعا و ريّا و ايالة و ملكا. و إذا أرادالله أمرا يسر أسبابه فكان لهم من العز والظهور قبل المبعث ما كان، و أوقع بنوشيبان و سائر بكر (5) بن وائل و عبس بن غطفانبطيء، و هم يومئذ ولاة العرب بالحيرة وأميرها منهم قبيصة بن إياس و معه الباهوت(6) صاحب مسلحة كسرى، فأوقعوا بهم الوقعةالمشهورة بذي قار و التحمت عساكر الفرس، وأخبر بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّمأصحابه بالمدينة ليومها و قال: «اليومانتصفت العرب من العجم و بي نصروا». و وفدحاجب بن زرارة من بني تميم على كسرى في طلبالانتجاع و المسيرة بقومه في اباب (7)العراق، فطلب الأساورة منه
(1) و في نسخة ثانية: و يسترهنوا. (2) و في النسخة الباريسية: (أمراء كندة). (3) و في النسخة الباريسية: بني حجر. (4) و في النسخة الباريسية: يدهم. (5) و في النسخة الباريسية: مضر. (6) و في النسخة الباريسية: ابناهوت. (7) و في النسخة الباريسية: أرياف.