كثيفا إلى حلب، و أبو المعالي بن سيفالدولة عليها يحاصرها ففارقها أبوالمعالي، و قصد البرية و ملك الروم حلب. وتحصن قرعوية و أهل البلد بالقلعة فحاصروهامدّة، ثم ضربوا الهدنة بينهم على ماليحمله قرعوية، و على أن الروم إذا أرادواالميرة من قرى الفرات لا يمنعونهم منها. ودخل في هذه الهدنة حمص و كفر طاب و المعرة وأفامية و شيزر، و ما بين ذلك من الحصون والقرى، و أعطاهم رهنهم على ذلك الروم، وأفرج الروم عن حلب. و كان ملك الروم قد بعثجيشا إلى ملازكرد من أعمال أرمينيةفحاصروها و فتحوها عنوة، و رعب أهل الثغورمنهم في كل ناحية.
كان يعفور ملكا بالقسطنطينية، و هيالبلاد التي بيد بني عثمان لهذا العهد، وكان من يليها يسمى الدمشق (1). و كان يعفورهذا شديدا على المسلمين، و هو الّذي أخذحلب أيام سيف الدولة. و ملك طرسوس والمسينة (2) و عين زربة. و كان قتل الملكقبله و تزوج امرأته، و كان له منها ابنانفكفلهما يعفور و كان كثيرا ما يطرق بلادالمسلمين و يدوخها في ثغور الشام والجزيرة، حتى هابه المسلمون و خافوه علىبلادهم. ثم أراد أن يجب (3) ربيبيه ليقطعنسلهما فغرقت (4) أمهما من ذلك، و أرسلت إلىالدمشق بن الشمشيق (5) و داخلته في قتله. وكان شديد الخوف من يعفور. و هذا كان أبوهمسلما من أهل طرسوس يعرف بابن العفاش تنصرو لحق بالقسطنطينية. و لم يزل يترقى فيالأطوار إلى أن نال من الملك ما ناله. و هذهغلطة ينبغي للعقلاء أن يتنزهوا عنها، و لاينال الملك من كان عريقا في السوقة، وفقيدا (6) للعصابة بالكلية و بعيدا عن نسبأهل الدولة، فقد تقدم من ذلك في مقدمةالكتاب ما فيه كفاية.
(1) الدمستق كما مر من قبل. (2) المصيصة: ابن الأثير ج 8 ص 607. (3) بمعني يخصي ابني الملك ليقطع نسلهما. (4) لا معنى لها و مقتضى السياق و قلقتأمهما من ذلك. (5) اسمه الدمستق بن الشمشقيق و قد مر معنامن قبل. (6) الفقيد: بمعنى المفقود في اللغة، و يظهران ابن خلدون يقصد الفاقد و قد كرر هذاالمعنى مرات عديدة.