مادلين واميديه زوجان شبيهان بالزوجين في ضحايا الواجب لكن التحليل أكثر دقة وتصميم يونسكو أكثر وعياً. الزوجان في المسرحيتين في عمر متقارب، وفي حالة واحدة، لكننا نعرف هموم اميديه ومادلين: نراهما يعيشان، يشتغلان، يأكلان. كان شوبير قاذفاً بالأفكار التي كوّنها عن المسرح، أما اميديه فيكتب، أو على الأقل يحاول الكتابة.
يتمّ تقديم الشخصيات في بداية المسرحية حسب صيغ وأساليب المسرح الطبيعي: حركات تتكرر يومياً، عادات مضحكة، أحاديث في قوالب جامدة، خصام الزوجين. يخلق ذلك كله جواً هزلياً سهلاً ويحدّد كائنات بسيطة للغاية، مسطّحة، سرعان ما تكتسب سمتها الخاصة.
لكن الشخصيات تصبح أكثر تعقيداً، أكثر عمقاً عندما يستبدل يونسكو الأساليب الواقعية أو الطبيعية بتقنيات قريبة من التحليل النفسي. يكتشف آنذاك مستويات متعددة من الوعي، ومشاعر حقيقية أكثر: الحب، الموت، الاندهاش، الألم، الصور المستقاة من الحلم أو الصور الشعرية تنير أغوار الرغبة والحلم، تنير الوساوس والهلوسات؟ وهكذا تتشكل صورة الإنسان ذي الأبعاد الثلاثة أو الأربعة أو العدد اللامحدود من الأبعاد. صورة لم تعد واقعية بل صورة سريالية.
تظهر تقنية يونسكو المعتمدة على التحليل النفسي في المشهد الذي يلتقي فيه اميديه الثاني مع مادلين الثانية. يتخذ الغوص إلى أعماق النفس شكل الحلم. الصور - الذكريات تكثف مراحل الديمومة كلها في حاضر مطلق. وتعيد بناء الزمان في المكان. تبين هذه الصور عالمين متناقضين يظهران بالتناوب أثناء الحوار. العالم الأول عالم نور ودفء وحرية وخفة والعالم الآخر عالم ظلمة وجليد ووحل ومصائب. يعبر هذا التناقض عن تجربتين انفعاليتين قامت عليهما حركة المسرحية. يحدد المشهد، عندما يصل الاختناق إلى ذروته، الانقلاب المأساوي، وهكذا يجد اميديه في صور انعدام الجاذبية القوة التي تجعله يحطّم قيوده ويتجاوز العقبات كلها. اميديه الثاني ومادلين الثانية ليسا أشباحاً لكنهما هلوسات والصدام بينهما شكل من أ أشكال الدراما النفسية.