و هذه الآية من الآيات التي تطمئنالموحدين إلى رحمة اللّه و لطفه، لأنّ فيهذه الآية قد بيّن سبحانه إمكان العفو عنجميع المعاصي و الذنوب غير الشرك، فهي كماجاء
في حديث عن أمير المؤمنين علي عليهالسّلام أرجى آيات القرآن الكريم إذ قال:«ما في القرآن آية أرجى عندي من هذهالآية».
و هذه الآية- كما قال ابن عباس «ثماني آياتنزلت في سورة النساء، خير لهذه الأمّةممّا طلعت عليه الشمس و غربت و عدّ منهاهذه الآية» «1».
لأنّ هناك كثيرين يرتكبون المعاصيالعظيمة ثمّ يقنطون من رحمة اللّه وغفرانه إلى الأبد، فيتسبب قنوطهم في أنيسيروا بقية عمرهم في طريق المعصية والخطأ بنفس القوّة و الإصرار، و لكن الأملفي عفو اللّه و غفرانه خير وسيلة رادعةبالنسبة إلى هؤلاء، و خير مانع من تماديهمفي المعصية و الطغيان، و على هذا الأساسفإنّ هذه الآية تهدف- في الحقيقة- إلىمسألة تربوية.
فإذا رأينا عصاة مجرمين (كما يقول بعضالمفسّرين، و يعلم ذلك من الرواياتالمذكورة في ذيل هذه الآية) أمثال «وحشي»غلام هند و قاتل بطل الإسلام حمزة بن عبدالمطلب عم النّبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم يؤمن مع نزول هذه الآية، و ينتهي عنجرائمه و شقاوته، فإن من الطبيعي أن يوجدذلك مثل هذا الأمل لدي العصاة الآخرين،فلا ييأسوا من رحمة اللّه و غفرانه، و لايتورطوا في المزيد من الذنوب و المعاصي.
و يمكن أن يقال: إنّ هذه الآية من شأنها أنتشجع الناس في الوقت ذاته على الذنب وتغريهم بالمعصية، لما فيها من الوعدبالعفو عن «جميع الذنوب ما عدا الشرك».
و لكن لا شك أنّ المراد من الوعد بالعفو والمغفرة ليس هو الوعد المطلق من
ذلك الشيء و يخربه استعمل في كل مخالفة،و من جملة ذلك الشرك و الكذب و التهمة. 1- مجمع البيان، ج 3، ص 57.