الإنسان أكبر من خشيتهم اللّه العليالقدير.
ثمّ يواجه القرآن هؤلاء بهذه الحقيقة: لوأنّهم استطاعوا بعد تركهم الجهاد أنيوفّروا لأنفسهم- فرضا- حياة قصيرة رغيدةهانئة، فإنّهم سيخسرون هذه الحياة لأنّهازائلة لا محالة، بينما الحياة الأبديةالتي وعد اللّه بها عباده المؤمنينالمجاهدين الذين يخشونه و لا يخشون سواه،هي خير من تلك الحياة الزائلة، و إنالمتقين سيلقون فيها ثوابهم كاملا غيرمنقوص دون أن يصيبهم أي ظلم، قُلْ مَتاعُالدُّنْيا قَلِيلٌ وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌلِمَنِ اتَّقى وَ لا تُظْلَمُونَفَتِيلًا «1».
1- لما ذا أمرت أولئك النفر بإقامة الصلاةو أداء الزكاة دون غيرهما من الفرائضالكثيرة الاخرى؟
و الجواب على هذا السؤال يتلخص في أنّالصلاة هي سر الاتصال باللّه سبحانه عزّ وجل، و الزكاة تعتبر مفتاحا لباب الاتصالبعباد اللّه، و على هذا الأساس فقد صدرتالأوامر للمسلمين بأن يعدّوا أنفسهم وأرواحهم و مجتمعهم للجهاد في سبيل اللّه،عن طريقة إقامة الصلة الوثيقة بينهم و بيناللّه و عباده، و بعبارة أخرى أن يسعوا إلىبناء أنفسهم و إعدادها، و بديهي أن أي جهاديحتاج بالضرورة إلى إعداد النفس و الروح،و إلى توثيق عرى التلاحم الاجتماعي، وبدون ذلك لا يمكن إحراز أي انتصار.
و الإنسان يقوي صلته باللّه من خلالالصلاة و يربّي بها روحه و معنوياته،فيكون بذلك مستعدا لتقديم أغلى التضحياتبما في ذلك التضحية بالنفس، كما أنّالزكاة هي الوسيلة الوحيدة لرأب كل صدعاجتماعي، بالإضافة إلى كونها دعمااقتصاديا في سبيل إعداد ذوي الخبرة والتجربة و العدة الحربية، و ما
1- الفتيل يعني الشعيرة الرفيعة جداالموجودة بين فلقتي نواة التّمر، و قدتطرفنا إلى شرح ذلك في الآية (49) من سورةالنساء و في هذا المجلد من تفسيرنا هذا.