امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 5 -صفحه : 636/ 161
نمايش فراداده

العقوبات الثقيلة من دون نصره و تأييده وعونه، لهذا قالوا: رَبَّنا أَفْرِغْعَلَيْنا صَبْراً وَ تَوَفَّنامُسْلِمِينَ.

و الملفت للنظر أنّهم بعبارة أَفْرِغْعَلَيْنا صَبْراً أظهروا أن الخطر المحدقبهم بلغ الدرجة القصوى، فأعطنا يا ربّ أنت-أيضا- آخر درجات الصبر و الاستقامة، لأنّ«أفرغ» من مادة «الإفراغ» بمعنى صبّالسائل من وعاء حتى يفرغ.

الاستقامة الواعية:

يمكن أن يتملك الإنسان عجب شديد عند أوّلاطلاعة على قصّة السحرة في زمان موسى عليهالسلام الذين صاروا من المؤمنينالصادقين، هل يمكن أن يحدث مثل هذاالانقلاب و التحول العميق في الروحالإنسانية في مثل هذه المدّة القصيرة،بحيث يقطع الشخص كل علاقاته مع الصفالمخالف، و يصير في صف الموافق، ثمّ يدافععن عقيدته الجديدة بإصرار و عناد عجيبينإلى درجة أنّه يتجاهل مكانته و مصالحه وحياته جميعا، و يستقبل الشهادة بشجاعةمنقطعة النظير، و بوجه مستبشر؟

و لكن هذا الاستغراب يتبدد إذا التفتناإلى هذه النقطة، و هي أنّ هؤلاء- نظرا إلىسوابقهم الكثيرة في علم السحر- وقفوا جيداعلى عظمة معجزة النّبي موسى عليه السلام وحقانيته، و سلكوا هذا السبيل عن وعي كامل... و هذا الوعي صار منشأ لعشق ملتهب سر بلكل وجودهم و كيانهم، و هو عشق لا يعرف حدّاو سدّا، و فوق جميع النوازع و الرغباتالبشرية.

إنّهم كانوا يعلمون جيدا أي طريقيسلكونه؟ و لماذا يجاهدون؟ و من يكافحون؟و أي مستقبل مشرق ينتظر هذا الجهادالعظيم؟

أجل، إذا كان الإيمان مقرونا بالوعيالكامل فإنّه ينتهي إلى مثل هذا العشق‏