و (لقيتم) من مادة (اللقاء) بمعنى الاجتماعو المواجهة، و تأتي في أكثر أحيان بمعنىالمواجهة في ميدان الحرب.
و (الزّحف) في الأصل بمعنى الحركة إلى أمرما بحيث تسحب الأقدام على الأرض كحركةالطفل قبل قدرته على المشي، أو الإبلالمرهقة التي تخط أقدامها على الأرض أثناءسيرها، و يطلق على الجيش الجرار الذييشاهد من بعيد و كأنّه يحفر الأرض أثناءمسيره.
و استخدام كلمة (زحف)- في الآية آنفا- تشيرإلى أنّه بالرغم من أنّ عدوكم قوي و كثير،و أنتم قليلون، فلا ينبغي لكم الفرار منساحة الحرب، و كما كان عدوكم كثيرا فيميدان بدر فثبتّم و انتصرتم.
فالفرار من الحرب يعدّ في الإسلام منكبائر الذنوب، إلّا أنّ ذلك مرتبط- كمانبيّن بعض الآيات- بكون الأعداء ضعفي عددالمسلمين، و سنبحث هذا الأمر بعون اللّهفي الآيتين (65) و (66) من هذه السورة. و لذلكتذكر الآية بعدها جزاء من يفر من ميدانالحرب مع الإشارة لمن يستثنون منهم فتقول:وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُإِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْمُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَبِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ.
و كما نرى فقد استثنت الآية صورتين منمسألة الفرار، ظاهرهما أنّهما من صورةالفرار، غير أنّهما في الحقيقة و الواقعصورتان للقتال و الجهاد.
الصورة الأولى: عبّر عنها بـ«مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ» و «متحرف» منمادة (التحرّف) أي الابتعاد جانبا من الوسطنحو الأطراف و الجوانب، و المقصود بهذهالجملة هو أنّ المقاتلين يقومون بتكتيكقتالي إزاء الأعداء، فيفرون من أمامهم نحوالأطراف ليلحقهم الأعداء: ثمّ يغافلوهم فيتوجيه ضربة قوية إليهم و استخدام فنالهجوم و الانسحاب المتتابع و كما يقولالعرب: (الحرب كرّ و فرّ).
الصورة الثّانية: أن يرى المقاتل نفسهوحيدا في ساحة القتال، فينسحب للالتحاقبإخوانه المقاتلين و ليهجم معهم من جديدعلى الأعداء.