المستقبل واضح جدّا، و كأنّه قد حدث فيالماضي و تحقق.
على أنّ التعبير بـ «نادى» الذي يكون عادةللمسافة البعيدة، يصوّر بعد المسافةالمقامية أو المكانية بين هذين الفريقين.
و هنا يمكن أن يطرح سؤال و هو: و ما فائدةحوار هذين الفريقين مع أنّهما يعلمانبالجواب؟
و جواب هذا السؤال معلوم، لأنّ السؤال ليسدائما للحصول على المزيد من المعلومات، بلقد يتّخذ أحيانا صفة العتاب و التوبيخ والملامة، و هو هنا من هذا القبيل. و هذه هيواحدة من عقوبات العصاة و الظالمين الذينعند ما كانوا يتمتعون بلذائذ الدنيا، حيثكانوا يؤذون المؤمنين بالعتابات المرّة،و الملامات المزعجة، فلا بدّ- في الآخرة-أن ينالوا عقابا من جنس عملهم كنتيجةطبيعة لفعلهم، و لهذا الموضوع نظائر فيسور القرآن المختلفة، منها ما في آخر سورةالمطففين.
ثمّ يضيف تعالى بأنّه في هذا الوقت بالذاتينادي مناد بنداء يسمعه الجميع:
أن لعنة اللّه على الظالمين فَأَذَّنَمُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُاللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
ثمّ يعرّف الظالمين و يصفهم بقوله:الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِاللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً وَ هُمْبِالْآخِرَةِ كافِرُونَ. «1»
و من الآية الحاضرة يستفاد مرّة أخرى أنّجميع الانحرافات و المفاسد قد اجتمعت فيمفهوم «الظلم» و للظالم مفهوم واسع يشملجميع مرتكبي الذنوب، و الآثام، و خصوصاالضالون المضلّون.
(1) يبغونها عوجا بمعنى يطلبونها عوجا، أيأنّهم يرغبون و يجتهدون في أن يضلوا الناسبإلقاء الشبهات و الدعايات المسمومة عنالطريق المستقيم. كما أنّ الراغب قال في«المفردات» عوج (بفتح العين) يعنيالاعوجاج الحسي، و عوج بكسر العين يطلقعلى الاعوجاجات التي تدرك بالفكر و العقل،و لكن هذا التفصيل لا ينسجم مع ظاهر طائفةمن الآيات القرآنية مثل الآية (107) من سورةطه (فتأمل بدقّة).