يتصور بعض المفسّرين و المحدّثين أنّالآية دليل على أن «المستقلات العقلية»- (وهي الأمور التي يدركها الإنسان عن طريقالعقل لا عن طريق حكم الشرع، كإدراك قبحالظلم و حسن العدل، أو سوء الكذب و السرقةو الاعتداء و قتل النفس و أمثال ذلك)- مادام الشرع لم يبيّنها، فإن أحدا غير مسئولعنها. و بتعبير آخر فإنّ كل الأحكامالعقلية يجب أن تؤيد من قبل الشرع لإيجادالتكليف و المسؤولية على الناس، و على هذافإنّ الناس قبل نزول الشرع غير مسئولينمطلقا، حتى في مقابل المستقلات العقلية.
إلّا أنّ بطلان هذا التصور واضح، فإنّجملة حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ تجيبهم وتبيّن لهم أنّ هذه الآية و أمثالها خاصّةبالمسائل التي بقيت في حيز الإبهام وتحتاج إلى التّبيين و الإيضاح، و منالمسلّم أنّها لا تشمل المستقلاتالعقلية، لأنّ قبح الظلم و حسن العدل ليسأمرا مبهما حتى يحتاج إلى توضيح.
الذين يذهبون إلى هذا القول غفلوا عن أنهذا القول- إن صحّ- فلا وجه لوجوب تلبيةدعوة الأنبياء، و لا مبرر لأن يطالعوا ويحققوا دعوى مدعي النّبوة و معجزاته حتىيتبيّن لهم صدقه أو كذبه، لأنّ صدق النّبيو الحكم الإلهي لم يبيّن لحد الآن لهؤلاء،و على هذا فلا داعي للتحقق من دعواه.
و على هذا فكما يجب التثبت من دعوى من يدعيالنّبوة بحكم العقل، و هو من المستقلاتالعقلية، فكذلك يجب اتباع سائر المسائلالتي يدركها العقل بوضوح.
و الدليل على هذا الكلام التعبيرالمستفاد من بعض الأحاديث الواردة عن أهلالبيت عليهم السّلام،
ففي كتاب التوحيد، عن الصادق عليهالسّلام أنّه قال في تفسير هذه الآية: «حتىيعرّفهم ما يرضيه و ما يسخطه» «1».
و على كل حال، فإنّ هذه الآية و أمثالهاتعتبر أساسا لقانون كلّي أصولي، و هو
(1) تفسير نور الثقلين، ج 2، ص 276.