امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 6 -صفحه : 584/ 568
نمايش فراداده

و إنّما قال: و فوّض إليكم إعمار الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها و هي إشارة إلى أنّالوسائل معدّة فيها لكل شي‏ء و عليكمإعمارها بالعمل و السعي المتواصل والسيطرة على مصادر الخيرات فيها. و بدونذلك لا حظّ لكم في الحياة الكريمة.

كما يستفاد ضمنا أنّه ينبغي من أجلالإعمار أن يعطي المجال لأمّة معينة فيالعمل، و تجعل الأسباب و الوسائل اللازمةتحت تصرفها و في اختيارها.

فإذا كان الأمر كذلك فَاسْتَغْفِرُوهُثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّيقَرِيبٌ مُجِيبٌ لدعواتكم.

الاستعمار في القرآن و في عصرنا الحاضر:

لا حظنا في الآيات المتقدمة أنّ نبي اللّه«صالحا» من أجل هداية و تربية قومهالضالين «ثمود» ذكرهم بعظيم خلق اللّه لهممن التراب .. و تفويض إعمار الأرض إليهم إذقال: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ....

لكن هذه الكلمة مع جمالها الخاص وجذابيتها التي تعني العمران و تفويضالإختيارات و إعداد الوسائل اللازمة وتهيأتها، تبدّلت هذه الكلمة في عصرنا إلىدرجة أنّها مسخت و أصبحت تعطي معنى معاكسالمفهوم القرآن تماما.

و ليست كلمة الاستعمار وحدها انتهت إلىهذا المصير المشؤوم، فهناك كلمات كثيرة فيالعربية و في لغات أخرى مسخت و حرّفت وتبدّلت و انقلبت رأسا على عقب، مثل كلمات«الحضارة» و «الثقافة» و «الحرية» و فيظلال هذه التحريفات تأخذ هذه الكلمات وأمثالها طريقها إلى التغرّب و البعد عنمعناها، و تتحول لعبادة المادة و أسرالناس و إنكار الحقائق و التوغل في كلأنواع الفساد و ما إلى ذلك.

و على كل حال، فإنّ معنى «الاستعمار» فيعصرنا و مفهومه الواقعي هو «استيلاء الدولالعظمى السياسية و الصناعية على الأممالمستضعفة قليلة القدرة، بحيث تكون نتيجةهذا «الاستيلاء» و هذه «الغارة» امتصاصدمائهم و سلب‏