نشاهد في هذا الفصل من القصّة انّ يعقوببالرغم من علمه بما سيقدم عليه اخوة يوسف... و تحذيره ولده يوسف ألّا يقصص رؤياه علىاخوته، و ان يكتم الأمر، الّا انّه لم يكنمستعدا لانّ يتّهمهم بقصد الاساءة الىيوسف، بل كان عذره إليهم انّه يحزنهفراقه، و يخاف ان يأكله الذئب في الصحراء.
و الأخلاق و المعايير الانسانية و الاسسالقضائية العادلة توجب ذلك ايضا، فحيث لمتتوفر لدينا علامة ظاهرة على مخالفة شخصما فلا ينبغي اتّهامه، فالأصل البراءة والصحّة و الطهارة الّا ان يثبت خلافه.
المسألة الاخرى اننا نقرا- في ذيل الآياتالمتقدمة-
رواية عن النّبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم انّه قال: «لا تلقّنوا الكذّابفيكذب فإنّ بني يعقوب عليه السّلام لميعلموا ان الذئب يأكل الإنسان حتى لقّنهمأبوهم» «1».
اشارة الى انه قد يحدث أحيانا ان لا يلتفتالطرف الآخر الى الحيلة و الى طريقالاعتذار و انتخاب طريق الانحراف، فعليكمان تحذروا من ذكر الاحتمالات المختلفةالتي تبيّن له طرق الانحراف.
و مثل هذا يشبه تماما ما لو قال الإنسانلطفله: لا ترم الكرة باتّجاه المصباح، و لميكن الطفل يعلم ان الكرة يمكن ان ترمى نحوالمصباح، فيلتفت الى ان مثل هذا العملممكن، و تتحرك فيه نوازع الفحص ... ماذاسيكون لو رميت الكرة باتجاه المصباح؟ ثمّيبدأ «لعبته» لتنتهي بتكسّر المصباح! وليس هذا موضوعا هينا و لا خاصا بالأطفال،فقد يتفق أحيانا ان الأوامر و النواهيالخاطئة، تسبب ان يتعلم الناس أشياء لميعرفوها من قبل، فتوسوس لهم أنفسهم انيقدموا عليها، فينبغي في مثل هذه الموارد-قدر المستطاع- ان
(1) نور الثقلين، ج 2، ص 415.