لذلك يقول القرآن الكريم في هذا الصدد:
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُهؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمايَعْبُدُ آباؤُهُمْ «1».
و يقول بعدها مباشرة: وَ إِنَّالَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَمَنْقُوصٍ على انّ جملة موفوهم نصيبهمتعني أداء الحق كاملا، لكن ذكر كلمة غيرمنقوص للتأكيد اكثر على هذه المسألة.
و في الحقيقة انّ هذه الآية تجسّم هذهالحقيقة، و هي انّ ما قرأناه من قصص الأممالسابقة لم يكن اسطورة، كما انّها لا تختصبالماضين، فهي سنّة ابدية و خالدة و هيلجميع الناس ماضيا و حاضرا و مستقبلا.
غاية ما فيه الأمر انّ هذا العقاب في كثيرمن الأمم السابقة نزل على شكل بلايا مهولةو عظيمة، لكنّه وجد شكلا آخر في شأن أعداءنبي الإسلام، و هو انّ اللّه اعطى القدرة والقوة العظيمة لنبيّه و أصحابه المؤمنينبحيث استطاع ان يهزم أعداءه الظالميناللجوجين الذين أصروا على انحرافهم وغرورهم.
و يسلّي القرآن قلب النّبي صلّى الله عليهوآله وسلّم مرّة اخرى، فيحدّثه عن موسى وقومه قائلا:
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَفَاخْتُلِفَ فِيهِ ... و يقول إذا ما رأيتانّ اللّه لا يعجل العذاب على قومك، فلانّمصلحة الهداية و التعليم و التربية لقومكتوجب ذلك و الّا فانّ القرار الالهيالمسبق يقتضي التعجيل بعملية التحكيم والقضاء و بالتالي إنزال العقاب وَ لَوْ لاكَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَبَيْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّمِنْهُ مُرِيبٍ و بالرغم من ذلك فهم في شكمن هذا الأمر «2».
(1) «المرية» على وزن «جزية» كما تأتي علىوزن «قرية» و معناها التردد في التصميمعلى امر ما ... و قد قال البعض: انّها تعني الشكّ المقترن بالتهمة، والجذر الاصلي لهذه الكلمة معناه عصر ثديالناقة بعد احتلابها. على امل ان يكونشيء من اللبن لا يزال باقيا في الثدي، ولانّ هذا العمل منشؤه التردد و الشك فلذلكأطلقت الكلمة على كل ما فيه شكّ و تردد. (2) هناك كلام بين المفسّرين في عودةالضميرين «هم» و «منه» على اية كلمتين فيالآية؟! فقال بعضهم: انّ هذا الضمير هم «وانهم» يعود على قوم موسى و «منه» يعود علىكتاب (التوراة) فمعنى الآية: ان هؤلاءالقوم لا يزالون يشكّون في