امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 9 -صفحه : 556/ 256
نمايش فراداده

تصوروا هل يمكن شرب الماء الذي إذا اقتربمن الوجه فإنّ حرارته ستشوي الوجه؟ إن ذلكبسبب أنّهم شربوا في الدنيا أنواعالمشروبات المنعشة و الباردة، في حينأنّهم أجّجوا في قلوب المحرومين نيرانا،إنّ هذه النار هي نفسها التي تجسدت فيالآخرة بهذا الشكل.

و الطريف في أمر هؤلاء أنّ القرآن ذكر لهمبعض «التشريفات» و هم في جهنّم. لقد كانلهؤلاء في حياتهم الدنيا (سرادق) عالية وباذخة ليس فيها نصيب للفقراء، و هذهالسرادق ستتحوّل إلى خيام عظيمة من لهيبنار جهنّم! و في هذه الدنيا تتوفر لديهمأنواع المشروبات التي تحضر بين أيديهمبمجرّد مناداة الساقي، و في جهنّم يوجدأيضا ساق و أشربة، أمّا ما هو نوع الشراب؟إنّه ماء كالمعدن المذاب! حرارته كحرارةدموع اليتامى و آهات المستضعفين و الفقراءالذين ظلمهم هؤلاء الأغنياء! نعم، إنّ كلما هو موجود هناك (في الآخرة) هو تجسيد لماهو موجود هنا (في الدنيا).

و بما أنّ أسلوب القرآن أسلوب تربوي وتطبيقي، فإنّه بعد ما بيّن أوصاف و جزاءعبيد الدنيا، ذكر حال المؤمنين الحقيقيينو جوائزهم الثمينة الغالية التي تنتظرهمجزاء ما فعلوا. لقد أجملت الآية كل ذلكبشكل مختصر، ثمّ بشكل تفصيلي نوعا ما.

ففي البدء قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَآمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّالا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًاأي إنّنا لا نضيع أعمال العاملين قليلةكانت أو كثيرة، كلية أو جزئية، و من أي شخصو في أي عمر كان:

أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ (الجناتالخالدة).

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ (منتحت الأشجار و القصور).

يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْذَهَبٍ «1».

1- «أساور» جمع «أسورة» على وزن «مشورة» وهي بدورها جمع (سوار) على وزن (غبار) و (كتاب)و هي في‏