كلمة «منزل» ربّما كانت اسم مكان، أي: بعدالطوفان ندعو اللّه لينزلنا في أرض ذاتخيرات واسعة، لنحيا فيها بسعادة و هدوء.
كما يمكن أن تكون مصدرا ميميّا أي: أنزلنابشكل لائق، لأنّ هناك أخطارا تهدّد ركّابهذه السفينة بعد رسوها في ختام الطوفان،كعدم مكان للسكن، أو النقص في الغذاء، أوالتعرّض للأمراض، لهذا دعا نوح عليهالسّلام ربّه لينزله منزلا مباركا.
و قد أشارت الآية الأخيرة- من الآيات موضعالبحث- إلى مجمل هذه القصّة فقالت: إِنَّفِي ذلِكَ لَآياتٍ ففي هذه الحوادث التيجرت على نوح عليه السّلام و انتصاره علىأعدائه الظالمين، و نزول أشدّ أنواعالعقاب عليهم- آيات و دلائل لأصحاب العقولالسليمة.
وَ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ أي إنّنانمتحن الجميع بشكل قاطع. و قد تكون هذهالجملة إشارة إلى إمتحان اللّه لقوم نوحمرارا، و عند ما أخفقوا في الامتحانأهلكهم إلّا المؤمنين.
كما قد تكون إشارة إلى امتحان اللّه لجميعالبشر في كلّ زمان و مكان، و ما جاء في هذهالآيات لم يكن خاصّا بالناس في زمن نوحعليه السّلام، بل يشمل الناس في جميعالدهور. فيهلك من كان عائقا في طريق تكاملالبشرية و ليواصل الأخيار سيرهم الطبيعي.
و اكتفت الآيات هنا بقضيّة بناء السفينة ودخول نوح عليه السّلام و أصحابه إليها،إلّا أنّها لم تشر إلى مصير المذنبين، و لمتتحدّث عنهم بالتفصيل، و إنّما اكتفتبالقول بأنّهم لقوا ما وعدهم اللّهإِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ لأنّ هذا الوعدمؤكّد لا يقبل النقض.
و لا بدّ من القول بأنّ هناك حديثا واسعاعن قوم نوح و موقفهم إزاء هذا النّبيالكبير، و مصيرهم المؤلم، و قصّة السفينة،و فوران الماء من التنور، و حدوث الطوفان،و غرق ابن نوح عليه السّلام. و قد بيّناقسما كبيرا منه في تفسير سورة هود، و سنذكرقسما آخر في تفسير سورة نوح إن شاء اللّه.