امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 10 -صفحه : 540/ 469
نمايش فراداده

الحقّ مع رغبات الناس وَ لَوِ اتَّبَعَالْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِالسَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْفِيهِنَّ.

لأنّه لا يوجد مقياس يحدّد أهواء الناس،مضافا إلى أنّها تميل إلى الشرّ و الفسادغالبا، و لو اتّبعتها قوانين الوجود لعمّتالفوضى في الكون و لفسد العالم.

و تأكيدا لذلك تقول الآية: بَلْأَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ «1» أي منحناهمالقرآن الذي هو أساس للذكر و التوجّه إلىاللّه، و سبب لرفعتهم و شرفهم، إلّا أنّهمأعرضوا عن هذا المنار الذي يضي‏ء لهم دربالسعادة و الشرف.

و في المرحلة الخامسة تقول الآية: هل أنّعذرهم في فرارهم من الحقّ هو أنّك تريدمنهم أجرا على دعوتك: أَمْ تَسْأَلُهُمْخَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ هُوَخَيْرُ الرَّازِقِينَ «2».

فلو طلب قائد ديني أجرا من الناس مقابل وعظهم و دعوتهم إلى الحقّ لأعطى المتعذّرينذريعة للإعراض عنه و الطعن عليه، فيعرضونعنه بحجّة عدم قدرتهم المالية، و يتّهمونهبأنّه ما دعاهم إلّا ابتغاء منافع خاصّةبه.

مضافا إلى أنّ البشر ما يملك من شي‏ءليمنحه؟ أليس اللّه سبحانه و تعالى رزّاقالعباد؟

و القرآن الكريم بإيضاحه هذه المراحلالخمس برهن على أنّ هؤلاء الحمقى(المشركين) لا يرضخون للحقّ، و أنّ أعذارهمفي إنكار الحقّ أعذار واهية.

و جاءت الآية التالية باستنتاج عام لكلّما مضى: وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى‏صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صراط مستقيم دلائلهواضحة و استقامته معلومة، فالطريق‏

1- يمكن أن تفسّر عبارة «ذكرهم» بمعنىتذكّرهم و توقظهم، و يمكن أن تفسر بمعنىشرفهم و حيثيّتهم في المجتمع البشري، و فيالوقت ذاته لا تناقض بين هذين المفهومين،و قد استفدنا من كليهما في تفسير الآية.

2- الخرج و الخراج مشتق من الخروج، و يعنيالشي‏ء الذي يستخرج من المال أو من حاصلالأرض الزراعية. إلّا أنّ الخرج ذو معنىأوسع من الخراج. و كما يقول الراغبالاصفهاني في مفرداته: الخرج أعمّ منالخراج، و جعل الخرج بإزاء الدخل، و قالتعالى: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً والخرج مختّص في الغالب بالضريبة على الأرضأو أجرتها.