تضرّ و لا تنفع، الفطرة السليمة تقول: يجبأن تعبدوا الخالق لا تلك المخلوقاتالتافهة.
و التأكيد على «فطرني» لعلّه إشارة إلىهذا المعنى أيضا و هو: إنّني حينما أرجعإلى الفطرة الأصيلة في نفسي ألاحظ بوضوحأنّ هناك صوتا يدعوني إلى عبادة خالقي،دعوة تنسجم مع العقل، فكيف أغضّ الطرف إذاعن دعوة تؤيّدها فطرتي و عقلي؟! و الملفتللنظر أنّه لا يقول: و ما لكم لا تعبدونالذي فطركم؟ بل يقول: وَ ما لِيَ لاأَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي لكي يكونبشروعه بالحديث عن نفسه أكثر تأثيرا فيالنفوس و بعد ذلك ينبّه إلى أنّ المرجع والمآل إلى اللّه سبحانه فيقول: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
أي: لا تتصوّروا أنّ اللّه له الأثر والفاعلية في حياتكم الدنيا فقط، بل إنّمصيركم في العالم الآخر إليه أيضا،فتوجّهوا إلى من يملك مصيركم في الدارين.
و في ثالث استدلال له ينتقل إلى الحديث عنالأصنام و إثبات العبودية للّه بنفيالعبودية للأصنام، فيكمل قائلا: أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْيُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِعَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَ لايُنْقِذُونِ.
هنا أيضا يتحدّث عن نفسه حتّى لا يظهر منحديثه أنّه يقصد الإمرة و الاستعلاءعليهم، و في الحقيقة هو يحدّد الذريعةالأساس لعبدة الأوثان حينما يقولون: نحننعبد الأصنام لكي تكون شفيعا لنا أماماللّه، فكأنّه يقول: أيّة شفاعة؟ و أي معونة و نجاة تريدون منها؟ فهيبذاتها محتاجة إلى مساعدتكم و حمايتكم،فما ذا يمكنها أن تفعل لكم في الشدائد والملمّات؟ التعبير بـ «الرحمن» هنا علاوة على أنّهإشارة إلى سعة رحمة اللّه و أنّه سبب لكلّالنعم و المواهب، و ذلك بحدّ ذاته دليل علىتوحيد العبادة، فإنّه يوضّح أنّ اللّهالرحمن لا يريدون أحدا بضرّ، إلّا إذاأوصلت الإنسان مخالفاته إلى أن يخرج من