امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 14 -صفحه : 618/ 346
نمايش فراداده

الأوّل، أي أنّ البنيان هو ذلك البناءالمكوّن من أربعة جدران كبيرة.

و آيات القرآن الكريم هنا لم تشر إلىدقائق و تفاصيل هذا الحادث الذي ورد فيسورة الأنبياء، و إنّما أنهت هذه الحادثةبخلاصة مركّزة و لطيفة فَأَرادُوا بِهِكَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ.

(كيد) في الأصل تعني الاحتيال، أ كانبطريقة صحيحة أم غلط، مع أنّها غالبا ماتستعمل في موارد مذمومة، و بما أنّها جاءتبحالة النكرة هنا، فإنّها تدلّ على عظمةالشي‏ء و أهميّته، و هي إشارة إلى المخطّطالواسع الذي وضعه طغاة بابل للقضاء علىدعوة إبراهيم للناس بقوله و عمله و محوآثارها.

نعم، لقد وضعهم اللّه سبحانه و تعالى فيأسفل السافلين، فيما رفع إبراهيم عليهالسّلام إلى أعلى علّيين، كما كان أعلىمنطقا، و جعله هو الأعلى في حادثة إشعالالنيران، و أعداءه الأقوياء هم الأخسرين،فكانت النار عليه بردا و سلاما دون أن تحرقحتّى شعرة واحدة من جسد إبراهيم عليهالسّلام و خرج سالما من ذلك البحرالجهنّمي.

فإرادته تقتضي أن ينجي في يوم من الأيّامنوحا من «الغرق»، و في يوم آخر ينقذإبراهيم من «الحرق»، و ذلك لكي يوضّح أنّالماء و النار عبدان مطيعان له سبحانه وتعالى و مستجيبان لأوامره.

إبراهيم عليه السّلام الذي نجا بإرادةاللّه من هذه الحادثة الرهيبة و المؤامرةالخطيرة التي رسمها أعداؤه له، و خرجمرفوع الرأس منها، صمّم على الهجرة إلىأرض بلاد الشام، إذ أنّ رسالته في بابل قدانتهت، وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏رَبِّي سَيَهْدِينِ.

من البديهيات أنّ اللّه لا يحويه مكان، والهجرة التي تتمّ في سبيله من المجتمعالملوّث الفاسد إلى المجتمع الطاهرالصافي، فإنّها هجرة إلى اللّه.

فالهجرة إلى أرض الأنبياء و الأولياء ومهبط الوحي الإلهي، هي هجرة إلى اللّه،مثلما يعرف السفر إلى مكّة المكرّمة بأنّهسفر إلى اللّه، خاصّة و أنّ هجرة إبراهيمعليه السّلام‏