الآية اللاحقة واصلت تناول نفس الموضوع،و لكن من جانب آخر، حيث قالت: أَمْ لَهُمْمُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مابَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِيالْأَسْبابِ.
هذا الكلام في حقيقته يعدّ مكمّلا للبحثالسابق، إذ جاء في الآية السابقة: إنّكم لاتمتلكون خزائن الرحمة الإلهية، كيتمنحوها لمن تنسجم أهواؤه مع أهوائكم، والآن تقول الآية التالية لها: بعد أن تبيّنأنّ هذه الخزائن ليست بيدكم، و إنّما هيتحت تصرّف البارئ عزّ و جلّ، إذن فليسأمامكم غير طريق واحد، و هو أن ترتقوا إلىالسماوات لتمنعوا الوحي أن ينزل على رسولاللّه و إنّكم تعرفون أنّ تحقيق هذا الأمرشيء محال، و أنتم عاجزون عن تنفيذه.
و على هذا، فلا «المقتضي» تحت اختياركم، ولا القدرة على إيجاد «المانع»، فما ذايمكنكم فعله في هذا الحال؟ إذا، موتوابغيظكم و حسدكم، و افعلوا ما شئتم ..
و بهذا الشكل فإنّ الآيتين لا تكرّرانموضوعا واحدا كما توهّمه مجموعة منالمفسّرين، بل إنّ كلّ واحدة منهما تتناولجانبا من جوانب الموضوع.
الآية الأخيرة في بحثنا جاءت بمثابةتحقير لأولئك المغرورين السفهاء، قالتعالى: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَالْأَحْزابِ «1» فهؤلاء جنود قلائلمهزومين ..
«هنالك» إشارة للبعيد، و بسبب وجودها فيالآية، فقد اعتبر بعض المفسّرين أنّهاإشارة إلى هزيمة المشركين في معركة بدر،التي دارت رحاها في منطقة بعيدة بعضالشيء عن مكّة المكرّمة.
و استخدام كلمة (الأحزاب) هنا إشارة حسبالظاهر إلى كلّ المجموعات التي وقفت ضدّرسل اللّه، و الذين أبادهم الباري عزّ وجلّ، و مجتمع مكّة المشرك هو مجموعة صغيرةمن تلك المجموعات، و الذي سيبتلى بماابتلوا به (الشاهد على
1- (ما) تعدّ زائدة في هذه العبارة، إنّماجاءت للتحقير و التقليل، و (جند) خبرلمبتدأ محذوف، و (مهزوم) خبر ثان و العبارةفي الأصل هي (هم جند ما مهزوم من الأحزاب) والبعض يعتقد بعدم وجود محذوف في الجملة و(جند) مبتدأ و (مهزوم) خبر، و لكن الرأيالأوّل أنسب.