و جدير بالانتباه أن بعض المفسّرين فسّر(حم) هنا بالقسم، فيصبح في الآية قسمانمتتابعان: قسم بحروف الهجاء كـ (حم)، و قسمبهذا الكتاب المقدس الذي يكون من هذهالحروف. و كما قلنا، فإنّ الآية الثانية أقسمتبالقرآن الكريم، حيث تقول: وَ الْكِتابِالْمُبِينِ ذلك الكتاب الواضح محتواه، والبينة معارفه ... الحية تعليماته، البناءةأحكامه، الدقيقة برامجه و خططه، و هوالكتاب الذي يدل بنفسه على كونه حقّا، كماأن بزوغ الشمس دليل على الشمس. «1»
لكن لنر الآن ما هو القصد من وراء ذكر هذاالقسم؟
الآية التالية توضح هذا الأمر، فتقول:إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍمُبارَكَةٍ.
«المبارك» من مادة بركة، و هي الربح والمنفعة و الخلود و الدوام، فأي ليلة هذهالتي تكون مبدأ الخيرات، و منبع الإحسان والعطايا الدائمة؟
لقد فسّرها أغلب المفسّرين بليلة القدر،تلك الليلة العظيمة التي تغيرت فيهامقدرات البشر بنزول القرآن الكريم ... تلكالليلة التي تقدر فيها مصائر الخلائق ...
نعم، لقد نزل القرآن على قلب النّبيالمطهر في ليلة حاسمة مصيرية.
و تجدر الإشارة إلى أنّ ظاهر الآية هو أنّالقرآن كله قد نزل في ليلة القدر. أمّا ما هو الهدف الأساس من نزوله؟ نهايةالآية أشارت إليه إذ قالت: إِنَّا كُنَّامُنْذِرِينَ فإن سنتنا الدائمة هي إرسالالرسل لإنذار الظالمين و المشركين، و كانإرسال نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآلهوسلّم بهذا الكتاب المبين آخر حلقة من هذهالسلسلة المباركة المقدسة.
صحيح أنّ الأنبياء عليهم السّلام ينذرونمن جانب، و يبشرون من جانب آخر، لكن لماكان أساس دعوتهم هو مواجهة الظالمين والمجرمين و محاربتهم، كان أغلب
1- سنبحث حول فلسفة الأيمان و القسم فيالقرآن، و الهدف الأساسي منها، في تفسيرالجزء الأخير من القرآن الكريم، في ذيلالآيات الكثيرة التي يلاحظ القسم فيهامكررا. إن شاء اللّه تعالى.