امثل فی تفسیر کتاب الله المنزل

ناصر مکارم شیرازی

جلد 16 -صفحه : 569/ 54
نمايش فراداده

و هناك احتمالات اخرى في تفسير هذه الآية،منها أن الإنسان قد يشعر بخفة آلامه عندرؤية متألمين آخرين، لأنّ المعروف (أنالبلية إذا عمّت طابت) غير أنّه يقاللهؤلاء: لا يوجد هناك مثل تسلية الخاطرهذه، بل ستغوصون في العذاب، و عذابالشياطين المشتركين معهم لا يبعث علىتسلية الخاطر «1». و احتملوا أيضا أن المصيبة عند ما تقع،تخف وطأتها عند ما يجد الإنسان ثقلهاموزعا بينه و بين أصدقائه، و لكن هذهالمسألة لا توجد هناك أيضا، لأنّ لكل فردسهما وافرا من العذاب، من دون أن ينقص منعذاب الآخرين شي‏ء! لكن بملاحظة أن هذهالآية تكملة للآية السابقة، فإنّالتّفسير الأوّل الذي اخترناه هو الأنسب.

و يترك القرآن هنا هذه الفئة و شأنها، ويوجه الخطاب إلى النّبي صلّى الله عليهوآله وسلّم و يتحدث عن الغافلين عميالقلوب الذي كذبوا ارتباطه باللّه، و هممن جنس من تقدم الكلام عنهم في الآياتالسابقة، فيقول: أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُالصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْكانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. و قد ورد نظير هذا المعنى في آيات أخرى منالقرآن الكريم، حيث شبه المعاندين الذينلا أمل في هدايتهم، و الغارقين في الذنوببالعمي و الصم، بل و بالأموات أحيانا.

فقد جاء في الآية (42) من سورة يونس: أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْكانُوا لا يَعْقِلُونَ.

و جاء في الآية (80) من سورة النمل: إِنَّكَلا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏ وَ لا تُسْمِعُالصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْامُدْبِرِينَ. و آيات أخرى. إن كل هذه التعابير توضح أن القرآن يقولبنوعين من السمع و البصر و الحياة للإنسان:السمع و البصر و الحياة الظاهريّة، والسمع و البصر و الحياة الباطنية،

(1) بناء على هذا التّفسير، فإنّ جملةأَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَستكون فاعل (ينفع) لا نتيجته.