و قد أمر صلى الله عليه وآله امّته انيضيّقوا عليه تلك المجاري بالجوع و العطشفي قوله صلى الله عليه وآله «1»: ضيقوامجاري الشيطان بالجوع فقد اقعد له كل مرصدو اخذه كل مأخذ حتّى كاد أن يجليه من الأرضأيضا. و ذلك ما أشار اليه صلى الله عليهوآله في بعض دعواته «2»: و نورا في شعري ونورا في دمي و نورا في لحمي. فلما كانللشيطان فيما مضى الولوج في طبقات السمواتكان يهتف من الداخل و من داخل الداخل كمايهتف من الخارج فكانت الاستعاذة من هواتفهو هواجسه و مغاليطه و وساوسه عسيرا شديداجدّا.
و أما اليوم بحمد اللّه و بإشراق النورالمحمّدي- صلى الله عليه وآله- فهو طريدرجيم.
فلا يأتيك هاتفه و هاجسه إلا من خارجأبواب القلب و النفس و الطبع فليس عليكإلّا سدّ مجاريه بترك الشهوة و الغضب و حبّالجاه و الرياسة. و هذه منبعثة من أبوابخارجة عن بواطن الإنسان لأنها حاصلة منالافراط في الأكل و الشرب و طلب الهوى وينقطع مواد هذه الأمور بالجوع و الصوم كمامرّ في الحديث المذكور و كما يعلم من قوله الصوم جنّة من النار.
«3» و كذلك يسهل على السالك اليوم التمييز بينالهواتف و اللمّات. و الفرق بين لمّة الملكو لمّة الشيطان فليس عليك إلا تمييز واحد وذلك أن تميّز و تفرّق إذا أتاك الهاتف هلأتاك من خارج أو داخل. فإن تبينّت إنه أتاكمن داخل فثق به و اعتمد عليه. فان كل هاتفيأتيك اليوم من داخلك فهو من ملائكة ربالعالمين و هذا القدر من التمييز يسير علىمن يسرّ اللّه له فهذا مما دل على أنالاستعاذة من شرّ الشيطان ميسّر لهذهالامة المرحومة دون سائر الأمم لأنه مطرودمرجوم عن سماء باطنهم و لهذا يحسن لهم أنيقولوا:
نعوذ باللّه من الشيطان الرجيم.
1) رواه الغزالي في الأحياء (1/ 232) و ماوجدته فيما بيدي من الجوامع الروائية. 2) الجامع الصغير: 1/ 57. 3) الفقيه: باب فضل الصيام: 2/ 74. الكافي: بابما جاء في فضل الصوم: 4/ 63.