الشيطانية الوهمية، انقلبت إلى حقيقةالشياطين بالفعل و خرجت عن القوة والاستعداد لها و لغيرها، و تمنّى الرجوعمنهم إلى اصل الفطرة كما في قولهمفَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً تمنّى امرمستحيل الوقوع، فلأجل ذلك قال تعالى وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ إذالمراد بهم أكابر المنافقين، و الراسخونفي الكفر و النفاق و هؤلاء المتردّدينإليهم تارة و إلى المؤمنين اخرى منالأصاغر.
فصل قوله: انّا معكم، أي في الضمير و عقيدته، وقد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية وخاطبوا الشياطين بالجملة الاسمية المؤكدة«بإنّ» لأنهم قصدوا بالأولى إحداثالايمان، و بالثانية تحقيق ثباتهم على ماكانوا عليه، و لأن أنفسهم لا تساعدهم علىأن يكون ما خاطبوا به المؤمنين جديرابكونه أقوى الكلامين، لركونهم إلى أهلالبطالة و الشهوة، و كراهتهم بالطبع عنلقاء اللّه و أهله، و القول الصادر عنالكراهة و النفاق.
فلما حصل معه المبالغة، فادّعوا عندهمحدوث الايمان لإكمال تحقّقه، بخلاف ما صدرعنهم عند إخوانهم لعلمهم أيضا بأن ادّعاءالكمال في الايمان، لا يروح على المؤمنين.
و أما كلامهم مع إخوانهم في إنكارالشريعة، فعلموا انّه مقبول عندهم بأي وجهكان من التأكيد، فأكّدوا القول فيه.
قوله جلّ اسمه: إِنَّما نَحْنُمُسْتَهْزِؤُنَ كأنه جواب عن سؤالالشياطين بأن قالوا انّا معكم: إن صحّ ذلكمنكم فما بالكم تتردّدون إلى المؤمنين وتوافقونهم في الكلام، و تدّعون الإسلام؟ فأجابوا بأنّا مستهزؤن بهم. أو تأكيد لماقبله، لأن المستهزئ بالشيء مصرّ علىخلافه أو بدل منه لأن من حقّر شيئا فقدعظّم نقيضه.