و إذا تقرّرت هذه المقدمة فنقول: لمّا كانهذا الاشتباه و الاغترار (62) بظواهر الآثارإنّما اختصّ بدار الدنيا و نشأ للناس منجهة غشاوة هذا الأدنى و في الآخرة يكشفالغطاء (63) و يرتفع الغشاوة عن وجوهالبصائر و الامتراء و يظهر انّ الكل للّه ومن اللّه و إلى اللّه قال: مالك يوم الدّين.و على طبق قوله: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًىعَنْ مَوْلًى شَيْئاً [44/ 41] لا بمعنى انّهيصير كذلك في ذلك اليوم بعد ما لم يكن، بلالأمر كذلك أبدا بحسب نفس الأمر، لكن لمّالم يصر منكشفا على الخلائق إلّا بعدبروزهم (64) عن مكامن هذه الظلمات والغشاوات و وصولهم إلى عالم الآخرة فإذابرزوا من الدنيا و حشروا إلى الآخرةشاهدوا بعين العيان ما سمعه بعضهم بسمعالايمان، فالتفاوت إنّما هو في الشعور لافي الأمر نفسه كما توهمه العبارة و لذلكقال قائلهم:
«1»- و لأن الأسباب هناك منحصرة في السببالفاعلي و الغائي- كما مرّ- و لا وجود للقوىو الاستعدادات في الآخرة إذ كلّ مابالقوّة يصير هناك بالفعل فالفعل لازمللفاعل بلا قابل و اللّه مسبّب (65) كل سببموجود و موجد كلّ فاعل لوجود، فقوّتهتعالى يقهر القوى كلّها و عند نوره ينكشفكلّ نور و ضياء (66) فهو مالك جميع الأشياءيوم يطوى فيه بساط الأرض و السماء (67) (68)- وهاهنا يكون الأمور مرهونة بأوقاتهامتعلّقة الوجود بالقوابل و استعداداتها-كما قال لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَلِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [40/ 16]- «2».
(1- 2) هذه الفقرة جاءت في حاشية المخطوطةبعلامة تشير إلى أن موقعها من- المتن بعدقوله (س 4) قال: مالك يوم الدين.