المنافع الدنيويّة فلأن يتحمّلوا أقلّ منهذه المشاقّ لطلب المنافع الاخرويّة- التيهي أجلّ و أعظم- كان أولى.
و ثانيها: إنّه تعالى لو خلقها دفعة بلاهذه الوسائط لحصل العلم الضروري بإسنادهاإلى القادر الحكيم، و ذلك ينافي التكليف والابتلاء.
و ثالثها: إنه ربما كان للملائكة و لأهلالاستبصار عبر في ذلك و أفكار صالحة- هذا.
و اعلم إن الدنيا دار التجدد و الارتحال وعالم الحركة و الانتقال، و الأشياء فيهاتحصل على سبيل الاستحالة و التمزيج وتتكوّن عقيب الانفعال و التدريج، و أمّاالآخرة فهي دار القرار، و محلّ الراحة والاستقرار، فلو حصلت صورة هذه الثمار وغيرها من صور الحيوان و الأشجار من غيرمادة مستحيلة- بل بمجرد المشيّة و الإرادة-بلا واسطة مادّة و مدّة لكانت الدنياآخرة، و التعب راحة، و الحركة سكونا والاضطراب طمأنينة، لأنّ من خصائص الجنّةحضور الفاكهة و الطير و سائر ما تشتهيهالأنفس و تلذّ الأعين لأهل الجنّة دفعةبلا فتور، و هي دار الخلد يطوف عليهم ولدانمخلّدون على هذه الهيئة المرودة المرادةلهم، و كلّ ما فيها من الثمرات غير مقطوعةو لا ممنوعة، و فيها صور مطهّرة من الأدناسقرّة أعين أخفيت للناس جزاء بما كانوايعملون و سيأتي تحقيقها إن شاء اللّهتعالى.
كلمة «من» الأولى ابتدائيّة، لأنّ المطرابتداء نزوله من السماء.
فإن قلت: ليس الأمر كذلك، فإن الأمطارإنّما تتولّد من أبخرة ترتفع من الأرض إلىالطبقة الباردة الهوائيّة، فتتكاثف بسببالبرد هناك و تنزل بعد اجتماع قطرات بسببالثقل.
قلنا: إن أريد بـ «السماء» ما اشتقّ من«السموّ» فذاك، فإنّ ما علاك فهو سماك