إن لم يعدلوا عن طريق الحقّ، و لم ينسلخواعن الفطرة بإغواء الشياطين الطاغية، وإضلال النفوس المردة المردودة إلى أسفلسافلين.
فقد انكشف و تبيّن من تضاعيف هذه الأسراراللطيفة إن السموات كانت مقدّمة على الأرضو ما فيها من وجه، و هي أيضا متأخّرة من وجهآخر.
و هذان الوجهان كما يجريان فيها بحسبمراتب الإنسان و بداياته و نهاياته كذلكيجريان فيها بحسب أنفسها، فإنّ لكل فلكصورة نفسانيّة ينبعث منها جوهر مادّتها ويبتدئ منها حركة جرمها بحسب استكمالاتها وتصوّراتها و تشوّقاتها، فلكل منها صورةنفسانيّة مشتاقة إلى جوهر كامل عقلي لابدّ أن يصل إلى كمالها و غايتها، و إلّالكان ما أودع اللّه فيها من التشوّق إليه والتوسّل به إلى تقرب الباري للكلّ جلّشأنه هباء و عبثا- و اللّه منزّه عن فعلالعبث و الجزاف.
فعلم من هذا سرّ كلامه أَنَّ السَّماواتِوَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاًفَفَتَقْناهُما [21/ 30] فارتتاق كلّ منهماكان إبهامه و عمومه و قصور حاله و عدمامتيازه عن غيره في خاصّ أفعاله، وانفتاقه تحصّل ذاته و تقوّمه بنفسه وقيامه بخاصّ أفعاله و بلوغه إلى كمالهاللائق بحاله.
إنّ في كلام سيّد الأولياء و خليفةالأنبياء، أمير المؤمنين و أخي خاتمالنبيين- سلام اللّه عليهم و عليه و أخيه وأولاده أجمعين- ما يؤكد ما قررناه، و ينورما صورناه، حيث قال عليه السّلام في بعض خطبه مشيرا إلىالأكوان المتجددة في سلسلة العود،الراجعة إلى مبدئها الأعلى من المنزلةالسفلى «1»:
«ثمّ أنشأ سبحانه فتق الأجواء و شقّالأرجاء و سكائك الهواء، فأجرى «2» ماء
(1) نهج البلاغة: الخطبة رقم 1. (2) نهج البلاغة: فأجرى فيها ماء ...