أقول: قد علمت بما سبق من مسلك العرفاءالاستغناء عن مثل هذه التكلّفات في معنىالاسم، فلا حاجة إلى ما ذكروه.
و أما تذكير الجمع فليس من باب التغليب والمجاز، بل على الحقيقة.
بيان ذلك إن لكل حقيقة نوعيّة- كالإنسان والفرس و الغنم و البقر و الرطب و الحنطة والشعير و الياقوت و اللعل و الفيروزج والأرض و الماء و الهواء- جوهرا عقليّانوريّا عاقلا لذاته و معقولا لذاته موجودافي العالم الأعلى الإلهى، حاضرا في علماللّه و الحضرة الإلهية. فهذه العقولالمفارقة و الصور المجرّدة العلميّة هيبالحقيقة أسماء اللّه أو أسماء أسمائه(125)، و هي موجودة أزلا و أبدا، لأن ما عنداللّه باق لا يزال و ليست من جملة العالمليتّصف بالحدوث و التجدّد و الزوال والدثور.
و البرهان على وجودها مذكور في كتبناالعقليّة «1».
و تقريره إنّ الباري- جلّ ذكره- كما إنّهفاعل كلّ شيء إمّا بوسط أو بغير وسط- فهوغاية كلّ شيء بوسط او بغير وسط لأنّه خيرمحض لا شرّية فيه أصلا و كلّ ما هو خير محضيطلبه كل شيء طبعا و إرادة، و هذا مركوزفي جميع الجبلّات و الغرائز فكلّ موجودسافل إذا تصوّر الوجود العالي فلا محالةيطلبه و يشتاقه طبعا جبلّيا أو اختياريا(126) اضطراريا، و هذا الطلب و الشوق لو لميكن له غاية حقيقية لكان ارتكازه فيالجبليّة عبثا معطّلا- و لا معطّل فيالوجود و اللّه بريء عن فعل العبث.
فلكلّ سافل إمكان الوصول إلى العالي، وهذا الإمكان إما ذاتي أو استعدادي، ففيالإبداعيّات إذا وجد الإمكان الذاتي حصلالمقصود لعدم المانع و القاسر، و فيالمكوّنات إذا حصل الاستعداد و زال المانعفكذلك.
ثمّ المانع الغير الزائل لا يكون إلّابحسب الأمر الأقلّي النادر، لأنّ الخارج
(1) راجع الاسفار الاربعة: 2/ 46 إلى 81.