ثم يتصدي لمخاصمة من ربّاه و أنماه وأعطاه كسوة بعد كسوة، و صورة غبّ صورة وحرسه عن الآفات و صانه عن المفسدات والمهلكات، و أخرجه من ظلمات ثلاث الى فضاءالعالم و رزقه من الطيبات، و رقاه من طورالى طور و من حال الى حال، الى أن كمل عقلهو صار مكملا فيتصدى لمخاصمة الجبار و يبرزالمجادلة للعزيز القهار راكبا متنالباطل، متلبسا لباس اللجاج و العناد،ذاهبا طريق الجاهلية الاولى ناكصا علىعقبيه، راجعا الى المنزل الأدنى.
فهذا غاية شدة السفاهة و القباحة، و نهايةالخسة و الوقاحة، حيث خاصم مثل هذا الخسيسالأدنى لمثل ذلك العلي الأعلى بعد سبق هذهالعطايا المتوافرة و النعم المتكاثرة فيأمر الهداية الى طريق السعادة، و إنذاررسول مبلغ مرسل من قبله من أعلى عليين الىهذا الذليل المهين، الواقع في أسفلالسافلين، ليهديه و يرشده هذا الناصح ويهذبه و يخلصه من مهوى الشياطين، و ينجيهمن عذاب أليم و يعرج به الى الدرجات العلىفي جوار رب العالمين، فيكذب رسوله و يؤذيهو يستهزي به و يمده في طغيانه و جهله وعناده و استكباره و إنكاره ليوم الدين.
فما أعجب هذا الطغيان! و ما أشنع هذاالكفران! و ما أنزل صاحبه في مهوى الخسة والهوان! و ما أبعده من رحمة الغفورالرحمان!
و مما يخطر بالبال في سياق هذه الاية واتصالها بما سبق انه قد سلى سبحانه فيالاية السابقة لرسوله صلى الله عليه وآلهمن مخاصمة أعدائه و تكذيبهم إياه واعلانهم مخاصمته و إضمارهم معاداته بانانعلم ذلك، و من علم بما يصل الى حبيبه منخصمائه و أعدائه من الاذاء و الجفاء- ظاهرةو باطنة، إعلانا و اسرارا- و هو قادر علىمجازاتهم و تعذيبهم و إيلامهم، فمعلومثابت انه يجازيهم بأبلغ