هذا المرام، فكم من مقصّر و غال فيه، و ماأشدّ سخافة ما ذهب إليه أصحاب أبي الحسن منالإعتقاد بخلق الأفعال في العباد علىالوجه الذي صوّروه و تصوّروه و اعتقدوه،إذ بها ينسدّ أبواب المعرفة و الحكمة وينفسخ الإعتقادات البرهانيّة و يبطلالغايات و النتائج العقليّة المبتنيّةكلّها على إثبات الترتيب و العليّة والمعلوليّة بين الموجودات و وجود سلسلةالأسباب المؤديّة إلى الغايات.
و أمّا ما تنوّر به قلوب المهتدين بأنوارحكمة الأنبياء، و ذهب إليه المحقّقون منأكابر الحكماء من كون الوجود على الإطلاقفائضا من الحق على كلّ موجود، لابالاتّفاق- بل بترتيب لازم و استحقاقثابت، فما تقدّم متقدّم و لا تأخّر متأخّرإلّا بقضاء سابق و قدر لا حق- فهو الحقّالذي لا محيد عنه (10)، و هو معنى التوحيد فيالأفعال مع إثبات الحكمة و المصلحة والنظام من غير اختلال.
و تحقيق هذا فوق ما يصل إليه أذهانالأشاعرة و أهل الاعتزال- فسبحان من تنزّهعن الفحشاء، و سبحان من لا يجري في ملكهإلّا ما يشاء.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد منالحكمة المستعملة في عدّة مواضع من القرآنإمّا النبوّة أو القرآن، أو قوّة الفهم أوالخشية- على ما هو قول الربيع بن أنس؟ قلنا: الدليل المذكور يدفع هذهالاحتمالات، لأنّه ثبت بالنقل المتواترأنّه يستعمل لفظ الحكيم في غير الأنبياء،فيكون الحكمة مغايرة للنبوّة