و أمّا النشأة الآخرة فالمبادي هناكذاتيّة لا اتّفاقيّة، و الجهات منحصرة فيالجهات الفاعليّة الآخذة من المبدإالأعلى، فيكون الحقّ متفرّدا في ذلك اليومبالحكم و الاقتدار، و به التمكّن «56» والاقتدار «57»، و النصرة و الانتصار، فلاقوّة و لا منعة «58» للإنسان في ذلك اليوميمتنع «59» بها، و لا ناصر و لا دافع يمنع ويذّب عنه، لارتفاع النسب الوضعيّة والأنساب العنصريّة البشريّة، فالأمريومئذ للّه، يغفر لمن يشاء و يعذّب منيشاء، ليس لأحد غيره ملك و لا سلطان و لاقدرة و لا قوّة على شيء، بل الكلّ يكونونيومئذ مشغولين بأنفسهم يَوْمَ يَفِرُّالْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَ أُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍشَأْنٌ يُغْنِيهِ [80/ 37].
فإن قيل: هل فيه دليل على نفي الشفاعة؟ يقال: لا، لأنّ الضمير في «له» راجع إلىالإنسان، و هو كالمهملة في قوّة الجزئيّة-هذا ما قيل- و يخدشه قوله تعالى: لِكُلِّامْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌيُغْنِيهِ [80/ 37] لأنّه يدلّ على العموم.
و الحقّ أنّ الشفاعة لا تثبت إلا بعدتحقّق المناسبة الذاتيّة بين الشافع و مايشفع له، و كون الشافع من الوسائطالعقليّة لا الوضعيّة، فعلى هذا لا ينافيثبوتها كلّية الحكم المذكور، إذ السلب منجهة و الإيجاب من جهة اخرى كما علمت
(56) التمكين- نسخة. (57) الاقتدار- نسخة. (58) صفة- نسخة. (59) يمنع- نسخة.