و من ذلك ما رواه عبدالعزيز بن صُهيب عن أبي العالية، قال: حدّثني مزرّع بن عبداللَّه صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام، أنّه قال: 'ليقبلنّ جيش حتى إذا كان بالبيداء خسف بهم'، قال أبوالعالية، فقلت له: 'إنّك لتحدثني بالغيب؟' قال: 'احفظ ما أقول لك، فإنّما حدّثني به الثقة علي بن أبي طالب، و حدّثني أيضاً شيئاً آخر، ليؤخذنّ رجل فليقتلنّ و ليصلبنّ بين شرفتين من شرف هذا المسجد'. قلت له: إنّك لتحدّثني بالغيب؟ فقال: احفظ ما أقول لك.
قال أبوالعالية: فو اللَّه ما أتت علينا جمعة حتى أُخذ مزرّع فقتل و صلب بين شرفتين من شرف المسجد. [ شرح ابن أبي الحديد، ج 2، ص 295 -294. ]
في التفسير الكبير للفخر الرازي، في ذيل تفسير قوله تعالى: ' أمْ حَسبْتَ أنَّ أصحاب الكهف و الرَّقيم كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً ' [ الكهف، 9. ]، قال: و أمّا عليّ عليه السلام فيروى أنّ واحداً من محبّيه سرق و كان عبداً أسود، فأُتي به إلى عليّ عليه السلام، فقال له: 'أسرقت؟' قال: نعم، فقطع يده.
فانصرف من عند عليّ عليه السلام فلقيه سلمان الفارسي و ابن الكوّاء، فقال ابن الكوّاء: من قطع يدك؟ فقال: أميرالمؤمنين، و يعسوب المسلمين، و ختن الرسول، و زوج البتول. قال: قطع يدك و تمدحه؟ فقال: و لِمَ لا أمدحه، و قد قطع يدي بحقّ و خلّصني من النّار؟! فسمع سلمان ذلك، فأخبر به عليّاً عليه السلام، فدعا الأسود و وضع يده على ساعده و غطّاه بمنديل، و دعا بدعوات، فسمعنا صوتاً من السماء: ارفع الرداء عن اليد، فرفعناه فاذا اليد قد برئت بإذن اللَّه تعالى و جميل صنعه.
[ التفسير الكبير للفخر الرازي، ج 21 و 22، ص 88. ]
في الرياض النضرة في مناقب العشرة، لمحب الدين الطبري، بسنده عن أبي ذرّ، قال:بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أدعو عليّاً، فأتيتُ بيته، فناديتُه فلم يُجبني، فعدتُ فأخبرت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ،فقال لي: 'عُد إليه اُدعه فإنّه في البيت' قال: فعدت اُناديه، فسمعتُ رحىً تطحن، فشارفتُ فإذا الرّحى تطحن و ليس معها أحدٌ، فناديتُه فخرج إليَّ منشرحاً، فقلت له: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يدعوك؟ فجاء، ثمّ لم أزل أنظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و ينظر إليَّ، ثمّ قال: 'يا أباذرّ ما شأنك؟'.
فقلت: يا رسول اللَّه عجيب من العجب، رأيت رحىً تطحن في بيت عليّ عليه السلام و ليس معها أحدٌ يرحى.
فقال: 'يا أبا ذرّ، إنّ للَّه ملائكة سيّاحين في الأرض، و قد وكّلوا بمعونة آل محمد'. [ الرياض النضرة، ج 3، ص 202. ]
إلى غير ذلك من معجزاته و كراماته و هي كثيرة نكتفي بما ذكرناه روماً للاختصار، و من أراد المزيد فليراجع مظانّها.
في المفردات: "الإمام المؤتمّ به": إنسان يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابٌ، أوغير ذلك محقّاً كان أو مبطلاً، و جمعه أئمّة. [ المفردات، ص 24. ]
و في لسان العرب: "الإمام": كلّ من ائتمَّ به قوم، كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالّين، إلى أن قال: إمام القوم معناه هو المتقدّم لهم و يكون الإمام رئيساً كقولك: إمام المسلمين. [ لسان العرب، ج 1، ص 101. ]
و في المنجد: "الإمامة": الرئاسة العامّة. [ المنجد، ص 17. ]
و عُرّفت الأُمامة اصطلاحاً بوجوه عدّة:
1- الإِمامة: رئاسة عامّة في اُمور الدّين و الدّنيا لشخص من الأشخاص نيابة "خلافة" عن النبيّ. [ شرح الباب الحادي عشر للمحقّق الحلي "ره" في فصل الإِمامة، ص 42؛ شرح التجريد للقوشجي، ص 274. ] 2- الإِمامة: خلافة الرسول في إقامة الدّين بحيث يجب اتّباعه على كافّة الاُمّة.
[ المواقف، ص 345. ]
3- الإِمامة: نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين و سياسة الدّنيا. [ مقدمة ابن خلدون، ص 191. ]
4- الإِمامة: خلافة عن الرسول في إقامة الدين و حفظ الملّة بحيث يجب اتّباعه على كافّة الاُمّة. [ دلائل الصدق، ج 2، ص 4، "و التعريف للفضل بن روزبهان الأشعري" حكي عنه في الالهيات، ج 1، ص 510. ]
و التعريف الأوّل أليق على مذهب الإِماميّة، لأنّ الإِمامة عندنا هي رئاسة عامّة إلهيّة في اُمور الدين و الدّنيا لشخص من الأشخاص.
و يؤيد هذا ما ورد في الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام:
'إنّ الإمامة زمام الدّين و نظام المسلمين، إنّ الإمامة اُسّ الإسلام النامي و فرعه السامي، الإمام،البدر المنير و السراج الزاهر و النور الساطع، الإمام الماء العذب على الظمأ و الدّال على الهدى' الحديث. [ سفينة البحار، ج 1، ص 32 مادة أمم. ]
و لا يخفى أنّ لفظ الإمام قد يطلق على إمام الباطل أيضاً [ في الكافي، ج 1، ص 216، بسنده عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: 'إنّ الائمة في كتاب اللَّه إمامان: قال اللَّه تعالى: ' وَ جَعْلناهُم أئمةً يَهْدون بأمرنا ' و قال: ' وَ جَعَلْناهُمْ أئمّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ '' الحديث. ] و قد يطلق على القائد، و لو في قسمٍ خاصٍّ، فيقال: إمام الجمعة و الجماعة، إمام الجهاد، إمام الحجّ، و كيف كان: فالمهمّ في المقام هو بيان أهميّة مقام الإِمامة، و إثبات إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
قد أجمع المسلمون على وجوب الإِمامة إلّا مَنْ شَذَّ منهم [ مثل أبي بكر الأصم من قدماء المعتزلة حيث قال بعدم وجوبها إذا تناصفت الاُمّة و لم تتظالم. ]، و اختلفوا في دليل وجوبها، هل وجبت بالعقل،أو بالشرع، أو بهما معاً؟ ثمّ بعد أن ثبت وجوبها بالإِجماع صاروا فريقين:
أحدهما: أنّ الإِمامة تثبت بالاتفاق و الاختيار.
و الثاني: أنَّها تثبت بالنّص و التعيين.
أمّا الفريق الأوّل فهم جمهور أهل السنّة، و معظم الخوارج و الزيديّة من الشيعة، و في هذا الفريق من يذهب إلى أنّها تثبت أيضاً بالقهر و الغلبة بَرَّاً كان أو فاجراً، و القائلون بالاختيار اختلفوا في كيفيّة انعقادها، فقالت طائفة منهم: لا تنعقد إلّا بجمهور أهل الحلّ و العقد، و قالت اُخرى: أقلّ من تنعقد به الإِمامة خمسة يجتمعون على عقدها، و استدلّوا على ذلك بأمرين:
الاول: أنّ بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها، ثمّ تابعهم النّاس فيها.
و الثّاني: أنّ عمر جعل الشورى في ستّة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة، و غير ذلك من الأقوال. [ انظر الأحكام السلطانية، ص 7. ]
و أمّا الفريق الثاني فهم الّذين قالوا: لا طريق إليه إلّا بالنّص، و هم ثلاث فرق: البكريَّة، و العباسيّة، و الإِماميّة.
فقالت البكريّة: إنّ النبيّ نصَّ على أبي بكر إشارةً، و هم جماعة من الحنابلة و أصحاب الحديث و بعض الخوارج.
و قالت الراوندية: إنّه نصّ على عمّه العبّاس تلويحاً، و قد نشأت هذه الطائفة في صدر الدّولة العبّاسيّة، و ناصرهم الجاحظ في رسالة سمّاها "العبّاسيّة" ثمّ انقرضت هذه الطائفة في زمن قصير. [ انظر الاحكام، ص 8؛ تلخيص الشافى للشيخ الطوسي، ج 2، ص 7. ]
و قالت الإِماميّة: نصّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام تصريحاً و تلويحاً، و إنّ الإِمامة عهد اللَّه الّذي لا خيرةَ للعباد فيه، و حاشا للَّه أن يترك الاُمّة مهملة، يرى كلّ واحد رأياً، و يسلك كلُّ واحد سبيلاً، فلا بدّ من تعيين الإِمام و النصّ عليه حسماً للخلاف وقطعاً لدابر الفتنة.
و لا يخفى أنّ الخلاف في الإِمامة بين المسلمين واقع بالفعل من صدر الإِسلام إلى يومنا هذا حتى قال الشهرستاني: أعظم خلاف بين الاُمّة خلاف الإمامة إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية في كل زمان مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان.
سنكرّس جُهدنا هنا لإِثبات إمامة مولانا أمير المؤمنين و خلافته بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و الأدلّة على ذلك أكثر من أن تُحصى حتى ألّف فيها جماعة من العلماء مصنّفات كثيرة [ راجع في هذا المجال الصراط المستقيم للعلامة البياضي. و الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس، و الشافي في الإمامة للسيد المرتضى، و الألفين في إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام للعلامة الحلي، و غيرها من الكتب. ] و نذكر هنا بعض الأدلّة التي تثبت إمامته عليه السلام اختصاراً:
و الآيات النازلة في إمامته و ولايته كثيرة نتعرض لبعضها:
قوله تعالى:' إنّما وَليُّكُمُ اللَّه وَ رَسُولُهُ و الذين آمَنُوا الَّذين يُقيمُونَ الصَّلاةَ و يُؤتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ رَاكِعُون ' [ المائدة، 55. ] و هذه الآية باتّفاق أكثر المفسرين و باستناد الأخبار المأثورة عن نبيّ الإِسلام و أصحابه الكرام نزلت في شأن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حيث سأله سائل و هو في الصّلاة حال ركوعه فتصدّق بخاتمه. [ انظر تفصيل ذلك في تفسير الرازي، ج 12، ص 26؛ أسباب النزول، ص 115؛ الدر المنثور، ج 3، ص 117؛ فتح القدير للشوكاني، ج 2، ص 60؛ تفسير المنار، ج 6، ص 463؛ شواهد التنزيل، ج 1، ص 193 -188؛ فرائد السمطين، ج 1، ص 190 -189؛ المناقب للخوارزمي، ص 186 تذكرة الخواص، ص 16 -15؛ كفاية الطالب، ص 229 -228؛ فضائل أحمد، ج 2، ص 1158:678. ]
و إنّ دلالة الآية على إمامة عليّ بن أبي طالب واضحه لأن لفظة "إنّما" للحصر بالنقل عن أهل اللغة و أئمّة التفسير.
و لفظ "الوليّ" يعني المتولّي في اُمور العباد و حقوقهم و المتصرف في اُمورهم بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ، لا سائر معانيه من الناصر و المالك و العبد و المعتِق و الصاحب، و غيرها من معاني المولى.
و المراد من الموصول "الّذين" في الآية بعض المؤمنين لا جميعهم، لأنّه لو كان جميع المؤمنين لزم أن يكون كلّ واحد وليّاً لنفسه و هو باطلٌ ، و أنّه وصفهم بوصف غير حاصل لكلّهم و هو إيتاء الزكاة حال الركوع في الصّلاة، و المراد بذلك البعض هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام و من حذا حذوه- أعني الأئمّة المعصومين عليهم السلام- للنقل الصحيح و اتّفاق أكثر المفسّرين على أنّه عليه السلام كان يُصلّي فسأله سائل، فأعطاه خاتمه وهوراكع، إذن فَعليّ بن أبي طالب عليه السلام كان أولى بالتّصرّف فينا بعد النبيّ صلى الله عليه و آله. [ لمزيد من الاطلاع على الروايات و الاستدلال، راجع الجزء الثاني من كتابنا الفصول المائة، فصل "عليّ عليه السلام و آية الولاية". ]
قوله تعالى: 'إنّما يُريدُ اللَّه لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَ يُطَهِّركُمْ تَطْهيراً'[ الاحزاب، 33. ] حيث إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا نزلت هذه الآية عليه، دعا عليّاً و فاطمه و الحسن و الحسين عليهم السلام و وضع عليهم كساءً و قال: 'اللّهمَّ هؤلاء أهل بيتي، اللّهمَّ أذهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ و طَهِّرْهُمْ تَطهيراً'.
[ صحيح مسلم، ج 4، ص 1883، ح 2424؛ تفسير الرازي، ج 8، ص 80؛ سنن الترمذي، ج 5، ص 351، ح 3205 و ج 5، ص 663، ح 3787 و ص 669، ح 3871؛ مصابيح السنة، ج 4، ص 183، ح 4795؛ جامع الاصول، ج 9، ص 470؛ الاستيعاب، ج 3، ص 37؛ أُسد الغابة، ج 4، ص 26؛ مسند أحمد، ج 4، ص 107 و ج 6، ص 292 و 304؛ المستدرك، ج 2، ص 416 و ج 3، ص 148؛ سير أعلام النبلاء، ج 3، ص 283؛ الصواعق المحرقة باب 11، فصل1، ص 143 و غيرها كثير. ]
و دلالة هذه الآية على عصمة أهل البيت و هم الأئمّة المعصومون، و على رأسهم عليّ بن أبي طالب، واضحة لا تحتاج إلى إقامة الحجة أو البرهان.
[ قد تعرضنا لمسألة الحكومة و الولاية ببيان آخر و ذكرنا أيضاً أخباراً كثيرة في هذا المجال في فصل "عليّ عليه السلام خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و وصيّه و وراثه" في الجزء الثالث من كتابنا "الفصول المائة"، فلاحظه. ]
إنّ من أحاط علماً بسيرة النبيّ صلى الله عليه و آله في تأسيس دولة الإسلام، و تشريع أحكامها و تمهيد قواعدها، يجد عليّ بن أبي طالب عليه السلام وزير رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في أمره و ظهيره على عدوّه، و عيبة علمه، و وراث حكمه، و وليّ عهده، وصاحب الأمر من بعده، و كذلك من وقف على أقوال النبيّ صلى الله عليه و آله و أفعاله في حلّه وتر حاله، يجد نصوصه في ذلك متواترة متوالية من مبدأ أمره إلى منتهى عمره، [ كتاب الإلهيات، ج 2، ص 578. ] و إليك البيان.