المؤمن بطانة لنفسهفالأول: قولهتُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وفيه وجوه: أحدها: قال المفضلتُحِبُّونَهُمْ تريدون لهم الإسلام و هوخير الأشياء وَ لا يُحِبُّونَكُمْ لأنهميريدون بقاءكم على الكفر، و لا شك أنه يوجبالهلاكالثاني:
تُحِبُّونَهُمْ بسبب ما بينكم و بينهم منالرضاعة و المصاهرة وَ لا يُحِبُّونَكُمْبسبب كونكم مسلمينالثالث:
تُحِبُّونَهُمْ بسبب أنهم أظهروا لكمالإيمان وَ لا يُحِبُّونَكُمْ بسبب أنالكفر مستقر في باطنهمالرابع: قال أبوبكر الأصم تُحِبُّونَهُمْ بمعنى أنكم لاتريدون إلقاءهم في الآفات و المحن وَ لايُحِبُّونَكُمْ بمعنى أنهم يريدونإلقاءكم في الآفات و المحن و يتربصون بكمالدوائرالخامس: تُحِبُّونَهُمْ بسبب أنهميظهرون لكم محبة الرسول و محب المحبوبمحبوب وَ لا يُحِبُّونَكُمْ لأنهم يعلمونأنكم تحبون الرسول و هم يبغضون الرسول ومحب المبغوض مبغوضالسادس:تُحِبُّونَهُمْ أي تخالطونهم، و تفشونإليهم أسراركم في أمور دينكم وَ لايُحِبُّونَكُمْ أي لا يفعلون مثل ذلك بكم.
و اعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها إشارةإلى الأسباب الموجبة لكون المؤمنينيحبونهم و لكونهم يبغضون المؤمنين، فالكلداخل تحت الآية، و لما عرفهم تعالى كونهممبغضين للمؤمنين و عرفهم أنهم مبطلون فيذلك البغض صار ذلك داعياً من حيث الطبع، ومن حيث الشرع إلى أن يصير المؤمنون مبغضينلهؤلاء المنافقين.
و السبب الثاني لذلك: لذلك: قوله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ و فيهمسائل:
في الآية إضمار، و التقدير: و تؤمنونبالكتاب كله و هم لا يؤمنون به، و حسنالحذف لما بينا أن الضدين يعلمان معا فكانذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر.
ذكر (الكتاب) بلفظ الواحد لوجوهأحدها:أنه ذهب به مذهب الجنس كقولهم: كثر الدرهمفي أيدي الناسو ثانيها: أن المصدر لايجمع إلا على التأويل، فلهذا لم يقل الكتببدلا من الكتاب، و إن كان لو قاله لجازتوسعا.
تقدير الكلام: أنكم تؤمنون بكتبهم كلها وهم مع ذلك يبغضونكم فما بالكم مع ذلكتحبونهم و هم لا يؤمنون بشيء من كتابكم،و فيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصلبمنكم في حقكم، و نظيره قوله تعالى:
فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَماتَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِما لا يَرْجُونَ [النساء: 104].
قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُواآمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّواعَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ والمعنى: أنه إذا خلا بعضهم ببعض أظهروا شدةالعداوة، و شدة الغيظ على المؤمنين حتىتبلغ تلك الشدة إلى عض الأنامل، كما يفعلذلك أحدنا إذا اشتد غيظه و عظم حزنه علىفوات مطلوبه، و لما كثر هذا الفعل منالغضبان، صار ذلك كناية عن الغضب حتى يقالفي الغضبان: إنه يعض يده غيظا و إن لم يكنهناك عض، قال المفسرون: و إنما حصل لهم هذاالغيظ الشديد لما رأوا من ائتلاف المؤمنينو اجتماع كلمتهم و صلاح ذات بينهم.
ثم قال تعالى: قُلْ مُوتُوابِغَيْظِكُمْ
و هو دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتىيهلكوا به، و المراد من ازدياد الغيظازدياد ما يوجب لهم ذلك الغيظ من قوةالإسلام و عزة أهله و ما لهم في ذلك من الذلو الخزي.
فإن قيل: قوله قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْأمر لهم بالإقامة على الغيظ، و ذلك الغيظكفر، فكان هذا أمرا بالإقامة على الكفر وذلك غير جائز.