الصلاة و السلام لما لم يتعلم علما، و لميطالع كتابا ثم ذكر هذه الأقاصيص من غيرتفاوت، و من غير زيادة و من غير نقصان، دلذلك على أنه صلّى الله عليه وسلّم إنماعرفها بالوحي و التنزيل.
و اعلم أنه تعالى ذكر في هذه السورة من قصصالأنبياء عليهم السلام ثلاثة.
فالقصة الأولى: قصة نوح عليه السلام، و هيالمذكورة في هذه الآية، و فيها وجهان منالفائدة: الأول:
أن قوم نوح عليه السلام لما أصروا علىالكفر و الجحد عجل اللَّه هلاكهم بالغرقفذكر اللَّه تعالى قصتهم لتصير تلك القصةعبرة لهؤلاء الكفار، و داعية إلى مفارقةالجحد بالتوحيد و النبوة. و الثاني: أنكفار مكة كانوا يستعجلون العذاب الذييذكره الرسول عليه السلام لهم و كانوايقولون له كذبت، فإنه ما جاءنا هذاالعذاب، فاللَّه تعالى ذكر لهم قصة نوحعليه السلام لأنه عليه السلام كان يخوفهمبهذا العذاب و كانوا يكذبونه فيه، ثمبالآخرة وقع كما أخبر فكذا ههنا.
و هذا جملة من الشرط و الجزاء،
أما الشرط فهو مركب من قيدين:
قوله: إِنْ كانَ كَبُرَعَلَيْكُمْ مَقامِي
قال الواحدي في «البسيط»: يقال كبر يكبركبرا في السن، و كبر الأمر و الشيء إذاعظم يكبر كبرا و كبارة. قال ابن عباس: ثقلعليكم و شق عليكم و عظم أمره عندكم والمقام بفتح الميم مصدر كالإقامة. يقال:أقام بين أظهرهم مقاما و إقامة، و المقامبضم الميم الموضع الذي يقام فيه، و أرادبالمقام ههنا مكثه و لبثه فيهم و بالجملةفقوله: كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي جارمجرى قولهم:
فلان ثقيل الظل.
و اعلم أن سبب هذا الثقل أمران: أحدهما:أنه عليه السلام مكث فيهم ألف سنة إلاخمسين عاما.
و الثاني: أن أولئك الكفار كانوا قد ألفواتلك المذاهب الفاسدة و الطرائق الباطلة والغالب أن من ألف طريقة في الدين فإنه يثقلعليه أن يدعى إلى خلافها، و يذكر لهركاكتها، فإن اقترن بذلك طول مدة الدعاءكان أثقل و أشد كراهية، فإن اقترن به إيرادالدلائل القاهرة على فساد تلك المذهب كانتالنفرة أشد فهذا هو السبب في حصول ذلكالثقل.
هو قوله: وَ تَذْكِيرِيبِآياتِ اللَّهِ.
و اعلم أن الطباع المشغولة بالدنياالحريصة على طلب اللذات العاجلة تكونشديدة النفرة عن الأمر بالطاعات و النهيعن المعاصي و المنكرات، قوية الكراهةلسماع ذكر الموت و تقبيح صورة الدنيا و منكان كذلك فإنه يستثقل الإنسان الذي يأمرهبالمعروف و ينهاه عن المنكر و في الآية وجهآخر و هو أن يكون قوله:
إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ معناه أنهمكانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهميعظونهم ليكون مكانهم ظاهرا و كلامهممسموعا، كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنهكان يعظ الحواريين قائما و هم قعود.
و اعلم أن هذا هو الشرط المذكور في هذهالآية،
أما الجزاء ففيه قولان:
أن الجزاء هو قوله: فَعَلَىاللَّهِ تَوَكَّلْتُ
يعني أن شدة بغضكم لي تحملكم علىالإقدام