فكأنه قال: أنا الذي ظلمتموني على أعظمالوجوه و اللَّه تعالى أوصلني إلى أعظمالمناصب، أنا ذلك العاجز الذي قصدتم قتلهو إلقاءه في البئر ثم صرت كما ترون، و لهذاقال: وَ هذا أَخِي مع أنهم كانوا يعرفونهلأن مقصوده أن يقول: و هذا أيضا كان مظلوماكما كنت ثم إنه صار منعما عليه من قبلاللَّه تعالى كما ترون و قوله:
قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا قال ابنعباس رضي اللَّه عنهما بكل عز في الدنيا والآخرة و قال آخرون بالجمع بيننا بعدالتفرقة و قوله: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ معناه: من يتق معاصي اللَّه ويصبر على أذى الناس
فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَالْمُحْسِنِينَ
و المعنى: إنه من يتق و يصبر فإن اللَّه لايضيع أجرهم فوضع المحسنين موضع الضميرلاشتماله على المتقين.
و فيه مسألتان:
و لو أنه قدم على ما يقوله الحشوية في حقزليخا لكان هذا القول كذبا منه و ذكر الكذبفي مثل هذا المقام الذي يؤمن فيه الكافر ويتوب فيه العاصي لا يليق بالعقلاء.
و وجهه أن يجعل «من» بمنزلة الذي فلا يوجبالجزم و يجوز على هذا الوجه أن يكون قوله:وَ يَصْبِرْ في موضع الرفع إلا أنه حذفالرفع طلبا للتخفيف كما يخفف في عضد و شمعو الباقون بحذف الياء في الحالين.
قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَاللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّالَخاطِئِينَ (91) قالَ لا تَثْرِيبَعَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُلَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُعَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
اعلم أن يوسف عليه السلام لما ذكر لإخوتهأن اللَّه تعالى من عليه و أن من يتقالمعاصي و يصبر على أذى الناس فإنه لايضيعه اللَّه صدقوه فيه، و اعترفوا لهبالفضل و المزية قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْآثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّالَخاطِئِينَ قال الأصمعي: يقال: آثركإيثارا، أي فضلك اللَّه، و فلان آثر عبدفلان، إذا كان يؤثره بفضله و صلته، والمعنى: لقد فضلك اللَّه علينا بالعلم والحلم و العقل و الفضل و الحسن و الملك، واحتج بعضهم بهذه الآية على أن إخوته ماكانوا أنبياء، لأن جميع المناصب التي تكونمغايرة لمنصب النبوة كالعدم بالنسبة إليهفلو شاركوه في منصب النبوة لما قالوا:تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُعَلَيْنا و بهذا التقدير يذهب سؤال منيقول لعل المراد كونه زائدا عليهم فيالملك و أحوال الدنيا و إن شاركوه فيالنبوة لأنا بينا أن أحوال الدنيا لا يعبأبها في جنب منصب النبوة.
و أما قوله: وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَقيل الخاطىء هو الذي أتى بالخطيئة عمدا وفرق بين الخاطىء و المخطىء، فلهذاالفرق يقال لمن يجتهد في الأحكام فلا يصيبإنه مخطىء، و لا يقال إنه خاطىء و أكثرالمفسرين على أن الذي اعتذروا منه هوإقدامهم على إلقائه في الجب و بيعه وتبعيده عن البيت و الأب، و قال أبو عليالجبائي: إنهم لم يعتذروا إليه من ذلك، لأنذلك وقع منهم قبل البلوغ فلا يكون ذنبا فلايعتذر منه، و إنما اعتذروا من حيث إنهمأخطؤا بعد ذلك بأن لم يظهروا لأبيهم مافعلوه، ليعلم أنه حي و أن الذئب لم يأكله وهذا الكلام ضعيف من وجوه: