لِلسَّائِلِينَ فاعلم أن هذه القصة فيهاآيات كثيرة لمن سأل عنها، و هو كقولهتعالى: فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءًلِلسَّائِلِينَ [فصلت: 10].
ثم قال تعالى: إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ و فيه مسألتان:
و فيها تأكيد و تحقيق لمضمون الجملة.أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر ثابت لاشبهة فيه و أخوه هو بنيامين، و إنما قالواأخوه، و هم جميعا إخوة لأن أمهما كانت واحدة و العصبة و العصابة العشرة فصاعدا، وقيل إلى الأربعين سموا بذلك لأنهم جماعةتعصب بهم الأمور، و نقل عن علي عليه السلامأنه قرأ و نحن عصبة بالنصب قيل: معناه و نحننجتمع عصبة.
و ذلك أن يعقوب كان يفضل يوسف و أخاه علىسائر الأولاد في الحب و أنهم تأذوا منهلوجوه: الأول: أنهم كانوا أكبر سنا منهما. وثانيها:
أنهم كانوا أكثر قوة و أكثر قياما بمصالحالأب منهما. و ثالثها: أنهم قالوا إنا نحنالقائمون بدفع المفاسد و الآفات، والمشتغلون بتحصيل المنافع و الخيرات. إذاثبت ما ذكرناه من كونهم متقدمين على يوسف وأخيه في هذه الفضائل، ثم إنه عليه السلامكان يفضل يوسف و أخاه عليهم لا جرم قالوا:إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعنيهذا حيف ظاهر و ضلال بين.
و ههنا سؤالات:
السؤال الأول: إن من الأمور المعلومة أنتفضيل بعض الأولاد على بعض يورث الحقد والحسد،
و يورث الآفات، فلما كان يعقوب عليهالسلام عالما بذلك فلم أقدم على هذاالتفضيل و أيضا الأسن و الأعلم و الأنفعأفضل، فلم قلب هذه القضية؟ و الجواب: أنهعليه السلام ما فضلهما على سائر الأولادإلا في المحبة، و المحبة ليست في وسع البشرفكان معذورا فيه و لا يلحقه بسبب ذلك لوم.
السؤال الثاني: أن أولاد يعقوب عليهالسلام إن كانوا قد آمنوا بكونه رسولا حقامن عند اللَّه تعالى فكيف اعترضوا عليه،
و كيف زيفوا طريقته و طعنوا في فعله، و إنكانوا مكذبين لنبوته فهذا يوجب كفرهم.
و الجواب: أنهم كانوا مؤمنين بنبوة أبيهممقرين بكونه رسولا حقا من عند اللَّهتعالى، إلا أنهم لعلهم جوزوا من الأنبياءعليهم الصلاة و السلام أن يفعلوا أفعالامخصوصة بمجرد الاجتهاد، ثم إن اجتهادهمأدى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد، وذلك لأنهم كانوا يقولون هما صبيان ما بلغاالعقل الكامل و نحن متقدمون عليهما فيالسن و العقل و الكفاية و المنفعة و كثرةالخدمة و القيام بالمهمات و إصراره علىتقديم يوسف علينا يخالف هذا الدليل. و أمايعقوب عليه السلام فلعله كان يقول: زيادةالمحبة ليست في الوسع و الطاقة، فليسللَّه علي فيه تكليف. و أما تخصيصهما بمزيدالبر فيحتمل أنه كان لوجوه: أحدها: أنأمهما ماتت و هما صغار.
و ثانيها: لأنه كان يرى فيه من آثار الرشدو النجابة ما لم يجد في سائر الأولاد، وثالثها: لعله عليه السلام و إن كان صغيراإلا أنه كان يخدم أباه بأنواع من الخدمأشرف و أعلى بما كان يصدر عن سائر الأولاد،و الحاصل أن هذه المسألة كانت اجتهادية، وكانت مخلوطة بميل النفس و موجبات الفطرة،فلا يلزم من وقوع الاختلاف فيها طعن أحدالخصمين في دين الآخر أو في عرضه.