القرف: العيب، قرفته بكذا اى عبته.
و وزع: كف و ردع، و منه قوله: (لابد للناس من وزعه) جمع وازع، اى من روساء و امراء.
و التهمه، بفتح الهاء، هى اللغه الفصيحه، و اصل التاء فيه واو.
و الحجيج، كالخصيم: ذو الحجاج و الخصومه.
يقول (ع): اما كان فى علم بنى اميه بحالى ما ينهاها عن قرفى بدم عثمان! و حاله التى اشار اليها، و ذكر ان علمهم بها يقتضى الا يقرفوه بذلك، هى منزلته فى الدين التى لا منزله اعلى منها، و ما نطق به الكتاب الصادق من طهارته و طهاره بنيه و زوجته، فى قوله: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا).
و قول النبى (ص): (انت منى بمنزله هارون من موسى)، و ذلك يقتضى عصمته عن الدم الحرام، كما ان هارون معصوم عن مثل ذلك.
و ترادف الاقوال و الافعال من رسول الله (ص) فى امره التى يضطر معها الحاضرون لها و المشاهدون اياها الى ان مثله لايجوز ان يسعى فى اراقه دم امير مسلم، لم يحدث حدثا يستوجب به احلال دمه.
و هذا الكلام صحيح معقول، و ذاك انا نرى من يظهر ناموس الدين، و يواظب على نوافل العبادات، و نشاهد من ورعه و تقواه ما يتقرر معه فى نفوسنا استشعاره الدين، و اعتقاده اياه، فيصرفنا ذلك عن قرفه بالعيوب الفاحشه، و نستبعد مع ذلك طعن من يطعن فيه، و ننكره و ناباه و نكذبه، فكيف ساغ لاعداء اميرالمومنين (ع)، مع علمهم بمنزلته العاليه فى الدين، التى لم يصل اليها احد من المسلمين، ان يطلقوا السنتهم فيه، و ينسبوه الى قتل عثمان او الممالاه عليه، لاسيما و قد اتصل بهم، و ثبت عندهم، انه كان من انصاره لا من المجلبين عليه، و انه كان احسن الجماعه فيه قولا و فعلا.
ثم قال: (الم تزع الجهال و تردعهم سابقتى عن تهمتى)! و هذا الكلام تاكيد للقول الاول.
ثم قال: ان الذى وعظهم الله تعالى به فى القرآن من تحريم الغيبه و القذف و تشبيه ذلك باكل لحم الميت ابلغ من وعظى لهم، لانه لا عظه ابلغ من عظه القرآن.
ثم قال: (انا حجيج المارقين، و خصيم المرتابين)، يعنى يوم القيامه، روى عنه (ع) انه قال: (انا اول من يجثو للحكومه بين يدى الله تعالى)، و قد روى عن النبى (ص) مثل ذلك مرفوعا فى قوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا فى ربهم) و انه (ص) سئل عنها، فقال: (على و حمزه و عبيده، و عتبه و شيبه و الوليد)، و كانت حادثتهم اول حادثه وقعت فيها مبارزه اهل الايمان لاهل الشرك، و كان المقتول الاول بالمبارزه الوليد بن عتبه، قتله على (ع)، ضربه على راسه فبدرت ع يناه على و جنته، فقال النبى (ص) فيه و فى اصحابه ما قال، و كان على (ع) يكثر من قوله: (انا حجيج المارقين)، و يشير الى هذا المعنى.
ثم اشار الى ذلك بقوله: (على كتاب الله تعرض الامثال)، يريد قوله تعالى: (هذان خصمان اختصموا فى ربهم).
ثم قال: (و بما فى الصدور تجازى العباد) ان كنت قتلت عثمان او مالات عليه، فان الله تعالى سيجازينى بذلك، و الا فسوف يجازى بالعقوبه و العذاب من اتهمنى به، و نسبه الى.
و هذا الكلام يدل على ما يقوله اصحابنا من تبرو اميرالمومنين (ع) من دم عثمان، و فيه رد و ابطال لما يزعمه الاماميه، من كونه رضى به و اباحه، و ليس يقول اصحابنا انه (ع) لم يكن ساخطا افعال عثمان، و لكنهم يقولون: انه و ان سخطها و كرهها و انكرها لم يكن مبيحا لدمه، و لاممالئا على قتله، و لايلزم من انكار افعال الانسان احلال دمه، فقد لايبلغ الفعل فى القبح الى ان يستحل به الدم، كما فى كثير من المناهى.