الحول: القوه.
و الطول: الافضال، و المانح: المعطى.
و الازل، بفتح الهمزه: الضيق و الحبس.
و العواطف: جمع عاطفه و هى ما يعطفك على الغير، و يدنيه من معروفك، و السوابغ: التوام الكوامل، سبغ الظل، اذا عم و شمل.
و (اولا) هاهنا منصوب على الظرفيه، كانه قال: قبل كل شى ء.
و الاول نقيض الاخر اصله (اوءل) على (افعل) مهموز الوسط، قلبت الهمزه واوا و ادغم، يدل على ذلك قولهم: (هذا اول منك) و الاتيان بحرف الجر دليل على انه (افعل)، كقولهم: هذا افضل منك، و جمعه على اوائل و اوال ايضا على القلب.
و قال قوم: اصله (وول) على (فوعل) فقلبت الواو الاولى همزه، و انما لم يجمع على (ووال) لاستثقالهم اجتماع الواوين و بينهما الف الجمع.
و اذا جعلت (الاول) صفه لم تصرفه، تقول: لقيته عاما اول، لاجتماع وزن الفعل، و تقول: ما رايته مذ عام اول، كلاهما بغير تنوين، فمن رفع جعله صفه لعام، كانه قال: اول من عامنا، و من نصب جعله كالظرف، كانه قال: مذ عام قبل عامنا.
فان قلت: (ابدا بهذا اول)، ضممته على الغايه.
و الانهاء: الابلاغ، انهيت اليه الخبر فانتهى، اى بلغ، و المعنى ان الله تعالى اعذر الى خلقه و انذرهم، فاعذاره اليهم ان عرفهم بالحجج ا لعقليه و السمعيه انهم ان عصوه استحقوا العقاب، فاوضح عذره لهم فى عقوبته اياهم على عصيانه.
و انذاره لهم: تخويفه اياهم من عقابه.
و قد نظر البحترى الى معنى قوله (ع): (علا بحوله، و دنا بطوله)، فقال: دنوت تواضعا و علوت قدرا فشاناك انخفاض و ارتفاع كذاك الشمس تبعد ان تسامى و يدنو النور منها و الشعاع و فى هذا الفصل ضروب من البديع، فمنها ان (دنا) فى مقابله (علا) لفظا و معنى، و كذلك (حوله) و (طوله).
فان قلت: لاريب فى تقابل (دنا) و (علا) من حيث المعنى و اللفظ، و اما (حوله) و (طوله) فانهما يتناسبان لفظا، و ليسا متقابلين معنى، لانهما ليسا ضدين، كما فى العلو و الدنو.
قلت: بل فيهما معنى التضاد لان الحول هو القوه، و هى مشعره بالسطوه و القهر، و منه منشا الانتقام، و الطول: الافضال و التكرم، و هو نقيض الانتقام و البطش.
فان قلت: انت و اصحابك لاتقولون ان الله تعالى قادر بقدره، و هو عندكم قادر لذاته، فكيف تتاولون قوله (ع): (الذى علا بحوله)؟ اليس فى هذا اثبات قدره له زائده على ذاته، و هذا يخالف مذهبكم! قلت: ان اصحابنا لايمتنعون من اطلاق قولهم: ان لله قوه و قدره و حولا، و حاش لله ان يذهب ذاهب منهم الى منع ذلك! و لكنهم يطلقون ه و يعنون به حقيقته العرفيه، و هى كون الله تعالى قويا قادرا، كما نقول نحن و المخالف: ان لله وجودا و بقاء و قدما، و لانعنى بذلك ان وجوده او بقاءه او قدمه معان زائده على نفسه، لكنا نعنى كلنا باطلاق هذه الالفاظ عليه كونه موجودا او باقيا او قديما، و هذا هو العرف المستعمل فى قول الناس: (لا قوه لى على ذلك) و (لا قدره لى على فلان) لايعنون نفى المعنى، بل يعنون كون الانسان قادرا قويا على ذلك.
و منها ان (مانحا) فى وزن (كاشف) و (غنيمه) بازاء (عظيمه) فى اللفظ، و ضدها فى المعنى، و كذلك (فضل) و (ازل).
و منها ان (عواطف) بازاء (سوابغ) و (نعمه) بازاء (كرمه).
و منها- و هو الطف ما يستعمله ارباب هذا الصناعه: انه جعل (قريبا هاديا)، مع قوله: (استهديه)، لان الدليل القريب منك اجدر بان يهديك من البعيد النازح، و لم يجعله مع قوله: (و استعينه)، و جعل مع الاستعانه (قاهرا قادرا) لان القادر القاهر يليق ان يستعان و يستنجد به، و لم يجعله قادرا قاهرا مع التوكل عليه، و جعل مع التوكل (كافيا ناصرا)، لان الكافى الناصر اهل لان يتوكل عليه.
و هذه اللطائف و الدقائق من معجزاته (ع) التى فات بها البلغاء، و اخرس الفصحاء.