دفتا المصحف: جانباه اللذان يكنفانه، و كان الناس يعملونهما قديما من خشب، و يعملونهما الان من جلد، يقول (ع): لا اعتراض على فى التحكيم، و قول الخوارج: (حكمت الرجال) دعوى غير صحيحه، و انما حكمت القرآن، و لكن القرآن لا ينطق بنفسه، و لا بد له ممن يترجم عنه.
و الترجمان بفتح التاء و ضم الجيم هو مفسر اللغه بلسان آخر، و يجوز ضم التاء لضمه الجيم، قال الراجز: كالترجمان لقى الانباطا ثم قال: لما دعينا الى تحكيم الكتاب، لم نكن القوم الذين قال الله تعالى فى حقهم: (و اذا دعوا الى الله و رسوله ليحكم بينهم اذا فريق منهم معرضون)، بل اجبنا الى ذلك، و عملنا بقول الله تعالى: (فان تنازعتم فى شى ء فردوه الى الله و الرسول).
و قال: معنى ذلك ان نحكم بالكتاب و السنه، فاذا عمل الناس بالحق فى هذه الواقعه، و اطرحوا الهوى و العصبيه، كنا احق بتدبير الامه و بولايه الخلافه من المنازع لنا عليها.
فان قلت: انه (ع) لم يقل هكذا، و انما قال: اذا حكم بالصدق فى كتاب الله، فنحن اولى به، و اذا حكم بالسنه فنحن احق بها.
قلت: انه رفع نفسه (ع) ان يصرح بذكر الخلافه فكنى عنها، و قال: نحن اذا حكم بالكتاب و السنه اولى بالكتاب و السنه، و ي لزم من كونه اولى بالكتاب و السنه من جميع الناس ان يكون اولى بالخلافه من جميع الناس، فدل على ما كنى عنه بالامر المستلزم له.
فان قلت: اذا كان الرجال الذين يترجمون القرآن و يفسرونه، و قد كلفوا ان يحكموا فى واقعه اهل العراق و اهل الشام، بما يدلهم القرآن عليه، يجوز ان يختلفوا فى تفسير القرآن و تاويله، فيدعى صاحب اهل العراق من تفسيره ما يستدل به على مراده، و يدعى وكيل اهل الشام ما يقابل ذلك و يناقضه، بطريق الشبهه التى تمسكوا بها من دم عثمان، و من كون الاجماع لم يحصل على بيعه اميرالمومنين (ع)، احتاج الحكمان حينئذ الى ان يحكم بينهما حكمان آخران، و القول فيهما كالقول فى الاول الى ما لا نهايه له، و انما كان يكون التحكيم قاطعا للشغب لو كان القرآن ينص بالصريح الذى لا تاويل فيه، اما على اميرالمومنين (ع) و اما على معاويه، و لانص صريح فيه، بل الذى فيه يحتمل التاويل و التجاذب، فما الذى يفيد التحكيم و الحال تعود لا محاله جذعه! قلت: لو تامل الحكمان الكتاب حق التامل، لوجدا فيه النص الصريح على صحه خلافه اميرالمومنين (ع)، لان فيه النص الصريح على ان الاجماع حجه، و معاويه لم يكن مخالفا فى هذه المقدمه و لا اهل الشام، و اذا كان الاجم اع حجه، فقد وقع الاجماع لما توفى رسول الله (ص)، على ان اختيار خمسه من صلحاء المسلمين لواحد منهم و بيعته توجب لزوم طاعته و صحه خلافته، و قد بايع اميرالمومنين (ع) خمسه من صلحاء الصحابه بل خمسون، فوجب ان تصح خلافته، و اذا صحت خلافته نفذت احكامه، و لم يجب عليه ان يقيد بعثمان، الا ان حضر اولياوه عنده، طائعين له مبايعين، ملتزمين لاحكامه، ثم بعد ذلك يطلبون القصاص من اقوام باعيانهم، يدعون عليهم دم المقتول، فقد ثبت ان الكتاب لو تومل حق التامل، لكان الحق مع اهل العراق، و لم يكن لاهل الشام من الشبهه ما يقدح فى استنباطهم المذكور.
ثم قال (ع): فاما ضربى للاجل فى التحكيم فانما فعلته لان الاناه و التثبت من الامور المحموده، اما الجاهل فيعلم فيه ما جهله، و اما العالم فيثبت فيه على ما علمه، فرجوت ان يصلح الله فى ذلك الاجل امر هذه الامه المفتونه.
و لا توخذ باكظامها: جمع كظم، و هو مخرج النفس، يقول: كرهت ان اعجل القوم عن التبين و الاهتداء، فيكون ارهاقى لهم، و تركى للتنفيس عن خناقهم، و عدولى عن ضرب الاجل بينى و بينهم ادعى الى استفسادهم، و احرى ان يركبوا غيهم و ضلالهم، و لا يقلعوا عن القبيح الصادر عنهم.
ثم قال: افضل الناس من آثر الحق و ان كرثه- اى اشتد عليه، و بلغ منه المشقه.
و يجوز (اكرثه) بالالف- على الباطل و ان انتفع به و اورثه زياده.
ثم قال: (فاين يتاه بكم؟)، اى اين تذهبون فى التيه؟ يعنى فى الحيره.
و روى: (فانى يتاه بكم؟).
و من اين اتيتم؟ اى كيف دخل عليكم الشيطان او الشبهه، و من اى المداخل دخل اللبس عليكم! ثم امرهم بالاستعداد للمسير الى حرب اهل الشام، و ذكر انهم موزعون بالجور، اى ملهمون، قال تعالى: (رب اوزعنى ان اشكر نعمتك) اى الهمنى، اوزعته بكذا و هو موزع به، و الاسم و المصدر جميعا الوزع بالفتح، و استوزعت اليه تعالى شكره فاوزعنى، اى استلهمته فالهمنى.
و لا يعدلون عنه، لا يتركونه الى غيره، و روى (لا يعدلون به)، اى لا يعدلون بالجور شيئا آخر، اى لايرضون الا بالظلم و الجور و لايختارون عليهما غيرهما.
قوله: (جفاه عن الكتاب): جمع جاف و هو النابى عن الشى ء، اى قد نبوا عن الكتاب لا يلائمهم و لا يناسبونه، تقول: جفا السرج عن ظهر الفرس اذا نبا و ارتفع، و اجفيته انا، و يجوز ان يريد انهم اعراب جفاه، اى اجلاف لا افهام لهم.
قوله: (نكب عن الطريق)، اى عادلون، جمع ناكب، نكب ينكب عن السبيل، بضم الكاف، نكوبا.
ق وله: (و ما انتم بوثيقه)، اى بذى وثيقه، فحذف المضاف، و الوثيقه: الثقه، يقال: قد اخذت فى امر فلان بالوثيقه، اى بالثقه، و الثقه مصدر.
و الزوافر: العشيره و الانصار، و يقال: هم زافرتهم عند السلطان، للذين يقومون بامره عنده.
و قوله: (يعتصم اليها) اى بها، فاناب (الى) مناب الباء، كقول طرفه: و ان يلتق الحى الجميع تلاقنى الى ذروه البيت الرفيع المصمد و حشاش النار: ما تحش به، اى توقد، قال الشاعر: افى ان احش الحرب فيمن يحشها الام، و فى الا اقر المخازيا! و روى (حشاش) بالفتح كالشياع، و هو الحطب الذى يلقى فى النار قبل الجزل، و روى: (حشاش) بضم الحاء و تشديد الشين، جمع حاش، و هو الموقد للنار.
قوله: (اف لكم) من الالفاظ القرآنيه، و فيها لغات (اف) بالكسر و بالضم و بالفتح و (اف) منونا بالثلاث ايضا، و يقال: افا و تفا، و هو اتباع له، و افه و تفه، و المعنى استقذار المعنى بالتافيف.
قوله: (لقد لقيت منكم برحا)، اى شده، يقال: لقيت منهم برحا بارحا، اى شده و اذى، قال الشاعر: اجدك هذا عمرك الله كلما دعاك الهوى برح لعينك بارح! و يروى: (ترحا) اى حزنا.
ثم ذكر انه يناديهم جهارا طورا، و يناجيهم سرا طورا، فلايجدهم احرارا عند ندائه، اى لا ينصرون و لا يجيبون، و لا يجدهم ثقاتا و ذوى امانه عند المناجاه، اى لا يكتمون السر.
و النجاء: المناجاه، مصدر ناجيته نجاء، مثل ضاربته ضرابا، و صارعته صراعا.