شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 410
نمايش فراداده

الشرح:

يجوز (بزعمه) بالضم و (بزعمه) بالفتح و (بزعمه) بالكسر ثلاث لغات، اى بقوله فاما من (زعمت)، اى كفلت، فالمصدر (الزعم) بالفتح و الزعامه.

ثم اقسم على كذب هذا الزاعم، فقال: (و العظيم) و لم يقل: و الله العظيم، تاكيدا لعظمه البارى ء سبحانه، لان الموصوف اذا القى و ترك و اعتمد على الصفه حتى صارت كالاسم كان ادل على تحقق مفهوم الصفه، كالحارث و العباس.

ثم بين مستند هذا التكذيب، فقال: ما بال هذا الزاعم! انه يرجو ربه، و لايظهر رجاوه فى عمله، فانا نرى من يرجو واحدا من البشر يلازم بابه، و يواظب على خدمته و يتحبب اليه، و يتقرب الى قبله بانواع الوسائل و القرب، ليظفر بمراده منه و يتحقق رجاوه فيه و هذا الانسان الذى يزعم انه يرجو الله تعالى لايظهر من اعماله الدينيه ما يدل على صدق دعواه و مراده (ع) هاهنا ليس شخصا بعينه، بل كل انسان هذه صفته، فالخطاب له و الحديث معه.

ثم قال: (كل رجاء الا رجاء الله فهو مدخول)، اى معيب، و الدخل، بالتسكين: العيب و الريبه.

و من كلامهم: (ترى الفتيان كالنخل و ما يدريك ما الدخل)، و جاء (الدخل) بالتحريك ايضا، يقال: هذا الامر فيه دخل و دغل بمعنى قوله تعالى: (و لاتتخذوا ايمانكم دخلا بينك م)، اى مكرا و خديعه، و هو من هذا الباب ايضا.

ثم قال: (و كل خوف محقق الا خوف الله فانه معلول): محقق، اى ثابت، اى كل خوف حاصل حقيقه فانه مع هذا الحصول و التحقق معلول ليس بالخوف الصريح، الا خوف الله وحده و تقواه، و هيبته و سطوته و سخطه، ذلك لان الامر الذى يخاف من العبد سريع الانقضاء و الزوال و الامر الذى يخاف من البارى تعالى لا غايه له و لا انقضاء لمحذوره كما قيل فى الحديث المرفوع: (فضوح الدنيا اهون من فضوح الاخره).

ثم عاد الى الرجاء، فقال: يرجو هذا الانسان الله فى الكثير، اى يرجو رحمته فى الاخره، و لايتعلق رجاوه بالله تعالى الا فى هذا الموضع، فاما ما عدا ذلك من امور الدنيا كالمكاسب و الاموال و الجاه و السلطان و اندفاع المضار و التوصل الى الاغراض بالشفاعات و التوسلات فانه لايخطر له الله تعالى ببال، بل يعتمد فى ذلك على السفراء و الوسطاء، و يرجو حصول هذه المنافع و دفع هذه المضار من ابناء نوعه من البشر، فقد اعطى العباد من رجائه ما لم يعطه الخالق سبحانه، فهو مخطى ء، لانه اما ان يكون هو فى نفسه صالحا لان يرجوه سبحانه، و اما الا يكون البارى ء تعالى فى نفسه صالحا لان يرجى، فان كان الثانى فهو كفر صراح و ان كان الاول فا لعبد مخطى ء حيث لم يجعل نفسه مستعدا لفعل الصالحات، لان يصلح لرجاء البارى ء سبحانه.

ثم انتقل (ع) الى الخوف، فقال: و كذلك ان خاف هذا الانسان عبدا مثله، خافه اكثر من خوفه البارى ء سبحانه، لان كثيرا من الناس يخافون السلطان و سطوته اكثر من خوفهم مواخذه البارى ء سبحانه، و هذا مشاهد و معلوم من الناس، فخوف بعضهم من بعض كالنقد المعجل، و خوفهم من خالقهم ضمار و وعد.

و الضمار: ما لايرجى من الوعود و الديون.

قال الراعى: حمد مزاره و اصبن منه عطاء لم يكن عده ضمارا ثم قال: (و كذلك من عظمت الدنيا فى عينه) يختارها على الله، و يستعبده حبها.

و يقال: كبر، بالضم، يكبر اى عظم فهو كبير و كبار بالتخفيف، فاذا افرط قيل: (كبار) بالتشديد فاما كبر بالكسر، فمعناه اسن، و المصدر منهما كبرا بفتح الباء.