امرهم (ع) ان يتاسى الصغير منهم بالكبير فى اخلاقه و آدابه، فان الكبير لكثره التجربه احزم و اكيس، و ان يراف الكبير بالصغير.
و الرافه: الرحمه، لان الصغير مظنه الضعف و الرقه.
ثم نهاهم عن خلق الجاهليه فى الجفاء و القسوه، و قال: انهم لايتفقهون فى دين و لايعقلون عن الله ما يامرهم به، و هذا من قول الله سبحانه: (صم بكم عمى فهم لايعقلون).
و روى: (تتفقهون) بتاء الخطاب.
ثم شبههم ببيض الافاعى فى الاعشاش، يظن بيض القطا فلا يحل لمن رآه ان يكسره لانه يظنه بيض القطا، و حضانه يخرج شرا، لانه يفقص عن افعى.
و استعار لفظه (الاداحى) للاعشاش مجازا، لان الاداحى لاتكون الا للنعام تدحوها بارجلها و تبيض فيها، و دحوها: توسيعها، من دحوت الارض.
و القيض: الكسر و الفلق، قضت القاروره و البيضه، و انقاضت هى، و انقاض الجدار انقياضا، اى تصدع من غير ان يسقط، فان سقط قيل: تقيض تقيضا، و تقوض تقوضا، و قوضته انا و تقول للبيضه اذا تكسرت فلقا: تقيضت تفيضا، فان تصدعت و لم تنفلق، قلت: انقاضت، فهى مناقضه و القاروره مثله.
هو (ع): يذكر حال اصحابه و شيعته بعده، فيقول: افترقوا بعد الفتهم، اى بعد اجتماعهم.
و تشتتوا عن اصلهم، اى عنى بعد مفارقتى، فمنهم آخذ بغصن، اى يكون منهم من يتمسك بمن اخلفه بعدى من ذريه الرسول، اينما سلكوا سلكوا معهم، و تقدير الكلام: و منهم من لايكون هذه حاله لكنه لم يذكره (ع)، اكتفاء بذكر القسم الاول لانه دال على القسم الثانى.
ثم قال: على ان هولاء القوم: من ثبت منهم على عقيدته فينا و من لم يثبت، لابد ان يجمعهم الله تعالى لشر يوم لبنى اميه، و كذا كان، فان الشيعه الهاشميه اجتمعت على ازاله ملك بنى مروان: من كان منهم ثابتا على ولاء على بن ابى طالب (ع)، و من حاد منهم عن ذلك، و ذلك فى اواخر ايام مروان الحمار، عند ظهور الدعوه الهاشميه.
و قزع الخريف: جمع قزعه، و هى سحب صغار تجتمع فتصير ركاما، و هو ما كثف من السحاب.
و ركمت الشى ء اركمه، اذا جمعته و القيت بعضه على بعض.
و مستثارهم: موضع ثورتهم.
و الجنتان: هما اللتان قال الله تعالى فيهما: (لقد كان لسبا فى مسكنهم آيه جنتان عن يمين و شمال).
و سلط الله عليهما السيل، قال الله تعالى: (فاعرضوا فارسلنا عليهم سيل العرم).
فشبه (ع) سيلان الجيوش الى بنى اميه با لسيل المسلط على تينك الجنتين.
فانه لم تسلم عليه قاره، و هى الجبيل الصغير.
و لم تثبت له اكمه، و هى التلعه من الارض.
و لم يرد سننه، اى طريقه.
طود مرصوص، اى جبل شديد التصاق الاجزاء بعضها ببعض.
و لا حداب ارض.
جمع حدبه و هى الروابى و النجاد.
ثم قال: (يذعذعهم الله، الذعذعه بالذال المعجمه مرتين: التفريق، و ذعذعه الشر: اذاعته.
ثم يسلكهم ينابيع فى الارض، من الفاظ القرآن، و المراد انه كما ان الله تعالى ينزل من السماء ماء فيستكن فى اعماق الارض، ثم يظهر منها ينابيع الى ظاهرها، كذلك هولاء القوم، يفرقهم الله تعالى فى بطون الاوديه و غوامض الاغوار، ثم يظهرهم بعد الاختفاء فياخذ بهم من قوم حقوق آخرين، و يمكن منهم قوما من ملك قوم و ديارهم.
ثم اقسم ليذوبن ما فى ايدى بنى اميه بعد علوهم و تمكينهم، كما تذوب الاليه على النار، و همزه (الاليه) مفتوحه، و جمعها اليات، بالتحريك، و التثنيه اليان بغير تاء قال الراجز: ترتج الياه ارتجاج الوطب و جمع الاليه الاء على (فعال) و كبش آلى على (افعل) و نعجه (الياء) و الجمع الى على (فعل)، و يقال ايضا: كبش اليان بالتحريك، و كباش اليانات، و رجل اليا، اى عظيم الاليه، و امراه عجزاء و لاتقل: (الياء) و ق د قاله بعضهم.
و قد الى الرجل بالكسر يالى: عظمت اليته.
ثم قال: لو لاتخاذلكم لم يطمع فيكم من هو دونكم.
و تهنوا، مضارع وهن، اى ضعف، و هو من الفاظ القرآن ايضا.
و تهتم متاه بنى اسرائيل: حرتم و ضللتم الطريق، و قد جاء فى المسانيد الصحيحه ان رسول الله (ص)، قال: (لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، و القذه بالقذه، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، فقيل: يا رسول الله، اليهود و النصارى؟ قال: فمن اذا! و من الاخبار الصحيحه ايضا: (امتهوكون انتم كما تهوكت اليهود و النصارى!).
و فى صحيحى البخارى و مسلم رحمهما الله انه سيجاء يوم القيامه باناس من امتى، فيوخذ بهم ذات الشمال، فاذا رايتهم اختلجوا دونى، قلت: اى رب، اصحابى! فيقال لى: انك لاتدرى ما عملوا بعدك؟ فاقول ما قال العبد الصالح: (و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت انت الرقيب عليهم و انت على كل شى ء شهيد): الاسناد فى هذا الحديث عن ابن عباس رضى الله عنه.
و فى الصحيحين ايضا، عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله (ص) يوما من نومه محمرا وجهه، و هو يقول: (لا اله الا الله.
ويل للعرب من شر قد اقترب!) فقلت: يا رسول الله، انهلك، و فينا الصالحون! فقال: (نعم، اذا كثر الخبث).
و فى الصحيحين ايضا: (يهلك امتى هذا ا لحى من قريش)، قالوا: يا رسول الله، فما تامرنا؟ قال: (لو ان الناس اعتزلوهم)، رواه ابوهريره عنه (ص).
ثم قال (ع): (ليضعفن لكم التيه من بعدى).
يعنى الضلال، يضعفه لكم الشيطان و انفسكم بما خلفتم الحق وراء ظهوركم، اى لاجل ترككم الحق.
و قطعكم الادنى- يعنى نفسه.
و وصلكم الابعد، يعنى معاويه.
و يروى: (ان اتبعتم الراعى لكم)، بالراء.
و الاعتساف: سلوك غير الطريق.
و الفادح: الثقل، فدحه الدين: اثقله.