شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 46
نمايش فراداده

خطبه 016-به هنگام بيعت در مدينه

قال الرضى (ع): و اقول: ان فى هذا الكلام الادنى من مواقع الاحسان ما لاتبلغه مواقع الاستحسان.

و ان حظ العجب منه اكثر من حظ العجب به، و فيه مع الحال التى وصفنا زوائد من الفصاحه لايقوم بها لسان، و لايطلع فجها انسان، و لايعرف ما اقول الا من ضرب فى هذه الصناعه بحق، و جرى فيها على عرق، (و ما يعقلها الا العالمون).

الشرح:

الذمه: العقد و العهد، يقول هذا الدين فى ذمتى، كقولك: فى عنقى، و هما كنايه عن الالتزام و الضمان و التقلد.

و الزعيم: الكفيل، و مخرج الكلام لهم مخرج الترغيب فى سماع ما يقوله، كما يقول المهتم بايضاح امر لقوم لهم: انا المدرك المتقلد بصدق ما اقوله لكم.

و صرحت: كشفت.

و العبر: جمع عبره، و هى الموعظه.

و المثلات: العقوبات.

و حجزه: منعه.

و قوله: (لتبلبلن) اى لتخلطن، تبلبلت الالسن، اى اختلطت.

(و لتغربلن)، يجوز ان يكون من الغربال الذى يغربل به الدقيق، و يجوز ان يكون من غربلت اللحم اى قطعته.

فان كان الاول كان له معنيان: احدهما الاختلاط، كالتبلبل، لان غربله الدقيق تخلط بعضه ببعض.

و الثانى ان يريد بذلك انه يستخلص الصالح منكم من الفاسد، و يتميز كما يتميز الدقيق عند الغربله من نخالته.

و تقول: ما عصي ت فلانا وشمه، اى كلمه.

و حصان شموس: يمنع ظهره، شمس الفرس، بالفتح، و به شماس.

و امر الباطل: كثر.

و قوله: (لقديما فعل)، اى لقديما فعل الباطل ذلك، و نسب الفعل الى الباطل مجازا.

و يجوز ان يكون (فعل) بمعنى (انفعل) كقوله: قد جبر الدين الاله فجبر.

اى فانجبر.

و السنخ: الاصل، و قوله: (سنخ اصل) كقوله: اذا حاص عينيه كرى النوم.

و فى بعض الروايات: (من ابدى صفحته للحق هلك عند جهله الناس)، و التاويل مختلف، فمراده على الروايه الاولى- و هى الصحيحه- من كاشف الحق مخاصما له هلك، و هى كلمه جاريه مجرى المثل.

و مراده على الروايه: الثانيه: من ابدى صفحته لنصره الحق غلبه اهل الجهل- لانهم العامه، و فيهم الكثره- فهلك.

و هذه الخطبه من جلائل خطبه (ع) و من مشهوراتها، قد رواها الناس كلهم، و فيها زيادات حذفها الرضى، اما اختصارا او خوفا من ايحاش السامعين، و قد ذكرها شيخنا ابوعثمان الجاحظ فى كتاب (البيان و التبيين) على وجهها، و رواها عن ابى عبيده معمر بن المثنى.

قال: اول خطبه خطبها اميرالمومنين على (ع) بالمدينه فى خلافته حمد الله و اثنى عليه، و صلى على النبى (ص)، ثم قال: الا لايرعين مرع الا على نفسه.

شغل من الجنه و النار امامه.

ساع مجتهد (ينج و)، و طالب يرجو، و مقصر فى النار، ثلاثه.

و اثنان: ملك طار بجناحيه، و نبى اخذ الله بيده، لا سادس.

هلك من ادعى، وردى من اقتحم.

اليمين و الشمال مضله، و الوسطى الجاده، منهج عليه باقى الكتاب و السنه و آثار النبوه.

ان الله داوى هذه الامه بدواءين: السوط و السيف، لا هواده عند الامام فيهما.

استتروا فى بيوتكم، و اصلحوا ذات بينكم، و التوبه من ورائكم.

من ابدى صفحته للحق هلك.

قد كانت (لكم) امور (ملتم فيها على ميله) لم تكونوا عندى فيها محمودين (و لا مصيبين).

اما انى لو اشاء لقلت، عفا الله عما سلف.

سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همته بطنه.

ويحه لو قص جناحاه، و قطع راسه لكان خيرا له! انظروا فان انكرتم فانكروا، و ان عرفتم فازروا.

حق و باطل، و لكل اهل.

و لئن امر الباطل لقديما فعل، و لئن قل الحق لربما و لعل، و قلما ادبر شى ء فاقبل.

و لئن رجعت اليكم اموركم انكم لسعداء، و انى لاخشى ان تكونوا فى فتره، و ما علينا الا الاجتهاد.

قال شيخنا ابوعثمان رحمه الله تعالى: و قال ابوعبيده: و زاد فيها فى روايه جعفر بن محمد (ع) عن آبائه (ع): الا ان ابرار عترتى، و اطايب ارومتى، احلم الناس صغارا، و اعلم الناس كبارا.

الا و انا اهل بيت من علم الل ه علمنا، و بحكم الله حكمنا، و من قول صادق سمعنا، فان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، و ان لم تفعلوا يهلككم الله بايدينا.

و معنا رايه الحق، من تبعها لحق، و من تاخر عنها غرق.

الا و بنا يدرك تره كل مومن، و بنا تخلع ربقه الذل عن اعناقكم و بنا فتح لا بكم، و منا يختم لا بكم.

قوله: (لايرعين) اى لايبقين، ارعيت عليه، اى ابقيت، يقول: من ابقى على الناس فانما ابقى على نفسه.

و الهواده: الرفق و الصلح، و اصله اللين.

و التهويد: المشى، رويدا، و فى الحديث: (اسرعوا المشى فى الجنازه و لاتهودوا كما تهود اهل الكتاب).

و آزرت زيدا: اعنته.

التره: و الوتر.

و الربقه: الحبل يجعل فى عنق الشاه.

وردى: هلك، من الردى، كقولك: عمى من العمى، و شجى من الشجى.

و قوله: (شغل من الجنه و النار امامه)، يريد به ان من كانت هاتان الداران امامه لفى شغل عن امور الدنيا ان كان رشيدا.

و قوله: (ساع مجتهد) الى قوله: (لا سادس) كلام تقديره: المكلفون على خمسه اقسام: ساع مجتهد، و طالب راج، و مقصر هالك.

ثم قال: ثلاثه، اى فهولاء ثلاثه اقسام، و هذا ينظر الى قوله سبحانه: (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه و منهم مقتصد و منهم سابق بالخيرات باذن الله)، ثم ذكر القسمين: الرابع و الخامس، فقال: هما ملك طار بجناحيه، و نبى اخذ الله بيده، يريد عصمه هذين النوعين من القبيح، ثم قال: (لا سادس)، اى لم يبق فى المكلفين قسم سادس.

و هذا يقتضى ان العصمه ليست الا للانبياء و الملائكه، و لو كان الامام يجب ان يكون معصوما لكان قسما سادسا، فاذن قد شهد هذا الكلام بصحه ما تقوله المعتزله فى نفى اشتراط العصمه فى الامامه، اللهم الا ان يجعل الامام المعصوم داخلا فى القسم الاول، و هو الساعى المجتهد.

و فيه بعد و ضعف.

و قوله: (هلك من ادعى، وردى من اقتحم)، يريد هلك من ادعى و كذب، لابد من تقدير ذلك، لان الدعوى تعم الصدق و الكذب، و كانه يقول: هلك من ادعى الامامه، وردى من اقتحمها و ولجها ع ن غير استحقاق، لان كلامه (ع) فى هذه الخطبه، كله كنايات عن الامام لا عن غيرها.

و قوله: (اليمين و الشمال)، مثال لان السالك الطريق المنهج اللاحب ناج، و العادل عنها يمينا و شمالا معرض للخطر.

و نحو هذا الكلام ما روى عن عمر، انه لما صدر عن منى فى السنه التى قتل فيها، كوم كومه من البطحاء فقام عليها، فخطب الناس، فقال: ايها الناس، قد سنت لكم السنن، و فرضت لكم الفرائض، و تركتم على الواضحه، الا ان تميلوا بالناس يمينا و شمالا، ثم قرا: (الم نجعل له عينين و لسانا و شفتين و هديناه النجدين)، ثم قال: الا انهما نجدا الخير و الشر، فما جعل نجد الشر احب اليكم من نجد الخير.

(من كلام للحجاج و زياد نسجا فيه على منوال كلام على) و قوله: (ان الله داوى هذه الامه بدواءين) كلام شريف، و على منواله نسج الحجاج و زياد كلامهما المذكور فيه السوط و السيف.

فمن ذلك قول الحجاج: من اعياه داوه فعلى دواوه، و من استبطا اجله فعلى ان اعجله، و من استثقل راسه وضعت عنه ثقله، و من استطال ماضى عمره قصرت عليه باقيه.

ان للشيطان طيفا، و ان للسلطان سيفا، فمن سقمت سريرته، صحت عقوبته، و من وضعه ذنبه، رفعه صلبه، و من لم تسعه العافيه، لم تضق عنه الهلكه، و من سبق ته بادره فمه، سبق بدنه سفك دمه.

انى لانذر ثم لا انظر، و احذر ثم لا اعذر، و اتوعد ثم لا اغفر، انما افسدكم ترقيق و لاتكم.

و من استرخى لببه ساء ادبه.

ان الحزم و العزم سلبانى سوطى، و جعلا سوطى سيفى، فقائمه فى يدى، و نجاده فى عنقى، و ذبابه قلاده لمن عصانى.

و الله لا آمر احدا ان يخرج من باب من ابواب المسجد فيخرج من الباب الذى يليه الا ضربت عنقه.

و من ذلك قول زياد: انما هو زجر بالقول، ثم ضرب بالسوط، ثم الثالثه التى لا شوى لها.

فلا يكونن لسان احدكم شفره تجرى على اوداجه، و ليعلم اذا خلا بنفسه انى قد حملت سيفى بيده، فان شهره لم اغمده، و ان اغمده لم اشهره.

و قوله (ع): (كالغراب) يعنى الحرص و الجشع، و الغراب يقع على الجيفه، و يقع على التمره، و يقع على الحبه، و فى الامثال: (اجشع من غراب)، و (احرص من غراب).

و قوله: (ويحه لو قص)، يريد لو كان قتل او مات قبل ان يتلبس بالخلافه لكان خيرا له من ان يعيش و يدخل فيها.

ثم قال لهم: افكروا فيما قد قلت، فان كان منكرا فانكروه، و ان كان حقا فاعينوا عليه.

و قوله: (استتروا فى بيوتكم) نهى لهم عن العصبيه و الاجتماع و التحزب، فقد كان قوم بعد قتل عثمان تكلموا فى قتله من شيعه بنى اميه بالمدينه.

و اما قوله: (قد كانت امور لم تكونوا عندى فيها محمودين)، فمراده امر عثمان و تقديمه فى الخلافه عليه.

و من الناس من يحمل ذلك على خلافه الشيخين ايضا.

و يبعد عندى ان يكون اراده، لان المده قد كانت طالت، و لم يبق من يعاتبه ليقول: قد كانت امور لم تكونوا عندى فيها محمودين، فان هذا الكلام يشعر بمعاتبه قوم على امر كان انكره منهم.

و اما بيعه عثمان، ثم ما جرى بينه و بين عثمان من منازعات طويله و غضب تاره، و صلح اخرى، و مراسلات خشنه و لطيفه، و كون الناس بالمدينه كانوا حزبين و فئتين: احداهما معه (ع)، و الاخرى مع عثمان، فان صرف الكلام الى ما قلناه بهذا الاعتبار اليق.

و لسنا نمنع من ان يكون فى كلامه (ع) الكثير من التوجد و التالم لصرف الخلافه بعد وفاه الرسول (ص) عنه، و انما كلامنا الان فى هذه اللفظات التى فى هذه الخطبه، على ان قوله (ع): (سبق الرجلان) و الاقتصار على ذلك فيه كفايه فى انحرافه عنهما.

و اما قوله: (حق و باطل...) الى آخر الفصل، فمعناه كل امر فهو اما حق و اما باطل، و لكل واحد من هذين اهل، و ما زال اهل الباطل اكثر من اهل الحق، و لئن كان الحق قليلا لربما كثر، و لعله ينتصر اهله.

ثم قال على سبيل التضجر بنفسه: (و قلما ادبر شى ء فاقبل)، استبعد (ع) ان تعود دوله قوم بعد زوالها عنهم، و الى هذا المعنى ذهب الشاعر فى قوله: و قالوا يعود الماء فى النهر بعد ما ذوى نبت جنبيه و جف المشارع فقلت الى ان يرجع النهر جاريا و يعشب جنباه تموت الضفادع ثم قال: (و لئن رجعت عليكم اموركم) اى ان ساعدنى الوقت، و تمكنت من ان احكم فيكم بحكم الله تعالى و رسوله، و عادت اليكم ايام شبيهه بايام رسول الله (ص)، و سيره مماثله لسيرته فى اصحابه، انكم لسعداء.

ثم قال: (و انى لاخشى ان تكونوا فى فتره)، الفتره هى الازمنه التى بين الانبياء اذا انقطعت الرسل فيها، كالفتره التى بين عيسى (ع) و محمد (ص)، لانه لم يكن بينهما نبى، بخلاف المده التى كانت بين موسى و عيسى (ع)، لانه بعث فيها انبياء كثيرون، فيقول (ع): انى لاخشى الا اتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم، فتكونوا كالامم الذين فى ازمنه الفتره لايرجعون الى نبى يشافههم بالشرائع و الاحكام، و كانه (ع) قد كان يعلم ان الامر سيضطرب عليه.

ثم قال: (و ما علينا الا الاجتهاد)، يقول: انا اعمل ما يجب على من الاجتهاد فى القيام بالشريعه و عزل ولاه السوء و امراء الفساد عن المسلمين، فان تم ما اريده فذاك، و الا كنت قد اعذرت.

و اما ا لتتمه المرويه عن جعفر بن محمد (ع) فواضحه الالفاظ، و قوله فى آخرها: (و بنا تختم لا بكم) اشاره الى المهدى الذى يظهر فى آخر الزمان.

و اكثر المحدثين على انه من ولد فاطمه (ع).

و اصحابنا المعتزله لاينكرونه، و قد صرحوا بذكره فى كتبهم، و اعترف به شيوخهم، الا انه عندنا لم يخلق بعد، و سيخلق.

و الى هذا المذهب يذهب اصحاب الحديث ايضا.

و روى قاضى القضاه رحمه الله تعالى عن كافى الكفاه ابى القاسم اسمعيل بن عباد رحمه الله باسناد متصل بعلى (ع) انه ذكر المهدى، و قال: انه من ولد الحسين (ع)، و ذكر حليته، فقال رجل: اجلى الجبين، اقنى الانف، ضخم البطن، ازيل الفخذين، ابلج الثنايا، بفخذه اليمنى شامه... و ذكر هذا الحديث بعينه عبدالله بن قتيبه فى كتاب "غريب الحديث".