قال الرضى ابوالحسن رحمه الله قوله (ع): (املكوا) عنى هذا الغلام) من اعلى الكلام و افصحه.
الالف فى (املكوا) الف وصل، لان الماضى ثلاثى، من ملكت الفرس و العبد و الدار، املك بالكسر، اى احجروا عليه كما يحجر المالك على مملوكه.
و عن، متعلقه بمحذوف تقديره: استولوا عليه و ابعدوه عنى.
و لما كان الملك سبب الحجر على المملوك عبر بالسبب عن المسبب، كما عبر بالنكاح عن العقد، و هو فى الحقيقه اسم الوطء، لما كان العقد طريقا الى الوطء، و سببا له.
و وجه علو هذا الكلام و فصاحته انه لما كان فى: (املكوا) معنى البعد، اعقبه بعن، و ذلك انهم لايملكونه دون اميرالمومنين (ع) الا و قد ابعدوه عنه، الا ترى انك اذا حجرت على زيد دون عمرو، فقد باعدت زيدا عن عمرو! فلذلك قال: املكوا عنى هذا الغلام، و استفصح الشارحون قول ابى الطيب: اذا كان شم الروح ادنى اليكم فلا برحتنى روضه و قبول قالوا: و لما كان فى (فلا برحتنى) معنى (فارقتنى) عدى اللفظه، و ان كانت لازمه، نظرا الى المعنى.
قوله: (لايهدنى) اى لئلا يهدنى، فحذف كما حذف طرفه فى قوله: الا اى هذا الزاجرى احضر الوغى اى لان احضر.
اى لان احضر.
و انفس: ابخل، نفست عليه بكذا، بالكسر .
فان قلت: ايجوز ان يقال للحسن و الحسين و ولدهما: ابناء رسول الله و ولد رسول الله، و ذريه رسول الله، و نسل رسول الله؟ قلت: نعم، لان الله تعالى سماهم (ابنائه) فى قوله تعالى: (ندع ابنائنا و ابنائكم)، و انما عنى الحسن و الحسين، و لو اوصى لولد فلان بمال دخل فيه اولاد البنات، و سمى الله تعالى عيسى ذريه ابراهيم فى قوله: (و من ذريته داود و سليمان) الى ان قال: (و يحيى و عيسى)، و لم يختلف اهل اللغه فى ان ولد البنات من نسل الرجل.
فان قلت: فما تصنع بقوله تعالى: (ما كان محمد ابا احد من رجالكم)؟ قلت: اسالك عن ابوته لابراهيم بن ماريه، فكما تجيب به عن ذلك، فهو جوابى عن الحسن و الحسين (ع).
و الجواب الشامل للجميع انه عنى زيد بن حارثه، لان العرب كانت تقول: زيد بن محمد على عادتهم فى تبنى العبيد، فابطل الله تعالى ذلك، و نهى عن سنه الجاهليه، و قال: ان محمدا (ع) ليس ابا لواحد من الرجال البالغين المعروفين بينكم ليعتزى اليه بالنبوه، و ذلك لاينفى كونه ابا لاطفال، لم تطلق عليهم لفظه الرجال، كابراهيم و حسن و حسين (ع).
فان قلت: ا تقول ان ابن البنت ابن على الحقيقه الاصليه ام على سبيل المجاز؟ قلت: لذاهب ان يذهب الى انه حقيقه اصليه، لان ا صل الاطلاق الحقيقه، و قد يكون اللفظ مشتركا بين مفهومين و هو فى احدهما اشهر، و لايلزم من كونه اشهر فى احدهما الا يكون حقيقه فى الاخر.
و لذاهب ان يذهب الى انه حقيقه عرفيه، و هى التى كثر استعمالها، و هى فى الاكثر مجاز، حتى صارت حقيقه فى العرف، كالراويه للمزاده، و السماء للمطر.
و لذاهب ان يذهب الى كونه مجازا قد استعمله الشارع، فجاز اطلاقه فى كل حال، و استعماله كسائر المجازات المستعمله.
و مما يدل على اختصاص ولد فاطمه دون بنى هاشم كافه بالنبى (ع)، انه ما كان يحل له (ع) ان ينكح بنات الحسن و الحسين (ع) و لابنات ذريتهما، و ان بعدن و طال الزمان، و يحل له نكاح بنات غيرهم من بنى هاشم من الطالبيين و غيرهم، و هذا يدل على مزيد الاقربيه، و هى كونهم اولاده، لانه ليس هناك من القربى غير هذا الوجه، لانهم ليسوا اولاد اخيه و لا اولاد اخته، و لا هناك وجه يقتضى حرمتهم عليه الا كونه والدا لهم، و كونهم اولاد اله، فان قلت قد قال الشاعر: بنونا بنو ابنائنا و بناتنا بنوهن ابناء الرجال الاباعد و قال حكيم العرب اكثم بن صيفى فى البنات يذمهن: انهم يلدن الاعداء، و يورثن البعداء.
قلت: انما قال الشاعر ما قاله على المفهوم الاشهر، و ليس فى قو ل اكثم ما يدل على نفى بنوتهم، و انما ذكر انهن يلدن الاعداء، و قد يكون ولد الرجل لصلبه عدوا، قال الله تعالى: (ان من ازواجكم و اولادكم عدوا لكم)، و لاينفى كونه عدوا كونه ابنا، قيل لمحمد بن الحنفيه (ع): لم يغرر بك ابوك فى الحرب، و لم لايغرر بالحسن و الحسين؟ فقال: لانهما عيناه، و انا يمينه، فهو يذب عن عينيه بيمينه.